الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٧٥ - السبت ١٩ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


ولاية الفقيهِ ضد الليبرالية





الاجتهاداتُ الفقهيةُ المسايرة للعصر المطورة للناس، موجودةٌ وتتشكل، لكن كل فكرة حين ترتبط برأسمالية الدولة الشمولية تعجز عن إنتاجِ التحليل واكتشاف التطور الديمقراطي.

رأسماليةُ الدولةِ فيما قبل الشمولية وما بعدها، يمكن أن تكون إعادة لشعب ما في إنتاج التطور الديمقراطي المعيد تشكيل النظام التقليدي.

فرأسمالية الدولةِ عنصرٌ اقتصادي محايد يمكن أن يخضعَ لتوجهات سياسية متعددة ومتناقضة.

لكن حين تصبح ولاية الفقيهِ أداة تعبير سياسية عن رأسماليةِ الدولةِ الشمولية، فإن عناصر الإسلام النضالية من جهتي الماضي والحاضر، وعناصر الليبرالية من جهتي الحاضر والمستقبل، تتجمد وتُطرد.

لابد لاجتهاداتِ الفقهاء من مراكز متعددة تغدو مطورةً لحال المسلمين والمواطنين عبر التنوع والاجتهاد والحرية والعقلانية لكنها حين تصبح ولايةً واحدة مهيمنة متصاعدة متشابكة مع رأسمالية دولة تغدو دكتاتورية، ويتوقف الاجتهادُ والتنوع.

العناصرُ المتجمدةُ في الشرع حول تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عديدةٌ، ولكنها تتغير بفعل نشاطِ الوعي الديني المتفهم للتطور، والمسايرِ للحضارة الحديثة وهي تغدو ديمقراطية، وتعبرُ العناصرُ المتجمدة عن غياب تغيير أحوال المسلمين في الأزمنة الغابرة، وحين تظهر دولٌ فيها أشياء من التفتح والتعدد، فإن هذه العناصر يُعاد النظرُ فيها حسب مدى تطور هذه الدولة ومسايرتها للتحولات الديمقراطية العالمية.

مع نشوء سلطةٍ دكتاتوريةٍ منذ عهد الشاه الأب، فإن عناصر الديمقراطية للثورة المشروطية على سبيل المثال تُنحى جانباً، وتُؤخذُ العناصرُ الألمانية الفاشية في الإدارة، ويتم الحفاظ على البناءِ التقليدي الديني الاجتماعي المحافظ، وتؤدي الشموليةُ الحكوميةُ وترددها بين التقليد والحداثة، بين الإقطاع والرأسمالية الحديثة، إلى نشوء دكتاتوريتين: سياسية حكومية فوقية تفقدُ ركائزَها بين الناس، ودينية تتوغلُ بين الشعب وتسيطر عليه عبر أفكاره العتيقة وممارساته الشعائرية.

تغدو ولاية الفقيه معتمدةً على عنصرين كبيرين: ماض محافظ متخلف، وحاضر حكومي شمولي، يتصاعدُ في أدوات احتكار السلطة والاقتصاد والجيش.

ولاية الفقيه تقومُ بطرد العناصر الليبرالية والديمقراطية على مختلف المستويات، فالاجتهاداتُ الفقهيةُ الموجهة لتطوير أحوال الفلاحين والنساء والعاملين والحريات تتوقف، فالقطاع العام يتحول لخدمة الرأسماليين الحكوميين الذين يوجهونه حسب طرائق أحزابهم، فإذا كان هو الموسوي فإنه يقولُ اشتراكيةً إسلامية، حيث يحتكرُ الموظفون الكبار طرائقَ التوجيه، وعبر توسيع اقتصاد الحرب والعسكرة، على أساسِ وجودِ التهديد للقومية من قبل العدو، الذي يُهزم، لكنه يستمر في البقاء بصورٍ ايديولوجية موهومة، لعدم توسيع الملكيات الخاصة ونشر الليبرالية والديمقراطية وتحويل رأسمالية الدولة إلى الديمقراطية الوطنية، ثم تصبح هذه أداة الدولة المتصاعدة حوتاً يأكلُ الموسوي وجماعته، مثلما أكلَ الشيوعيين التابعين لولايةِ الفقيه، مثلما أكلَ المَلكيين، لكن الحوت لا يشبع، وهو غير قادر على تطوير العناصر الديمقراطية في الماضي والحاضر، فيعتمد على الأساطير والخرافات ونشر التعصب والحروب.

الفقيه الديني العقلاني يحتاج إلى الليبرالية والحريات على أساس أن تكونَ هذه رزقه المستقلَ عن سيطرة الدول، فيستطيع أن يفهم النصّ الديني تبعاً لحاجات المسلمين المتطورة دوماً، لا أن يتعسف تفسيره ويخضعه للسيطرات المختلفة، ولكن الفقيه حين يعادي الحريات ويقفز في معاشه من دون جهد، باعتماد أداة الدولة التي جعلته حاكماً أو متنفذاً، يغدو معادياً للعقلانية، ومروجاً للخرافات، وينشرُ بين العامة التخلف، ويبعدهم عن المقاربة بين الجنسين والمشاركة الأسرية الخلاقة، ويحولُ رموزَ الإسلام المناضلة المعتمدة على عقولها وعملها وتجارتها الحرة وديمقراطيتها إلى أيقونات وكائنات غيبية.

لهذا لا يستطيع أن ينمي الديمقراطيةَ كتتويجٍ لليبرالية والاشتراكية، أي كدولةٍ وطنية تجمعُ اليمينَ المنتج والطبقات العاملة بتعاونها وصراعها ضمن المؤسسات، لهذا يوسعُ دكتاتورية القومية الطائفة الموحدة التي لا يوجد فيها اختلاف، فلا توجد فيها ديمقراطية، وأي من يأخذ بفكرته يكرسُ النموذج نفسه، ففي خارج عالم ولاية الفقيه لابد أن تقبلَ الشعوب الأخرى بها، وتغدو شعاراتُ الديمقراطيةِ والمقاومةِ تكتيكات سياسية لا تستطيع أن تخفي الجوهر المفضوح كارثةً بعد أخرى.

هي الإمبراطورية الفارسية وقد لبستْ بذلةً عسكرية وتمشي عبر السفن الحربية والصواريخ والحرائق، والجمهور المخدر، غير قادرة على المراجعة وإعادة النظر الديمقراطية الحقيقية.

ولا شك أن الشعوب المجاورة لها تعيش في حالات قلق وعذاب مستمرة، لا تدري متى الكارثة ومتى الانقاذ، ومتى الخروج من هذه الدائرة المغلقة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة