الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٧٢ - الأربعاء ١٦ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


صراع قوتين
في الانتخابات المصرية





تبلوُر معركة الرئاسة بين عبدالمنعم أبوالفتوح وعمرو موسى، مظهرٌ للصراع المحتدم لبقاء السلطة السابقة أو ظهور سلطة جديدة.

السلطةُ القديمة متشبثةٌ بنفوذها، والجيش ليس مؤسسةً عسكرية وحشودا من البشر بل هو كذلك مؤسساتٌ اقتصادية وصناعية وأجهزة إدارية ووراءه قوى اجتماعية وثقافية كبيرة.

والإخوان المسلمون هم سلطةٌ جديدة زاحفة تمثل قوى من هذه الرأسمالية الصغيرة والمتوسطة التي خُنقت من خلال القطاع العام الذي اهترأ.

لكن السلطة الجديدة لا تقيم علاقات قوية مع الفئات الوسطى الحرة ومع الليبراليين في الدولة والمجتمع، وتحمل خطاباً سياسياً عتيقاً يرعبُ جمهورَ القوى الحديثة.

بروز الصراع التنافسي بين أبوالفتوح وموسى هو مناورة من قبل الطرفين؛ الإخوان والدولة، هو صراعٌ آخر بين قطاعٍ خاص غامض الملامح، تقليدي، يعيش بين الملكيات الصغيرة البسيطة والبنوك الدينية الزاحفة، ويتغذى من الفقراء ذهباً وسمسرة وصعوداً سياسياً، وقطاع عام اختنق من بيروقراطيته وغير قادر على إحداث ثورة اقتصادية في عالم يمور بالتنافس والتحولات الاقتصادية والتقنية العاصفة.

يحاول الإخوانُ مقاربةَ الرأسمالية الحديثة من جذورٍ تقليدية، ويريدون حداثةً من دون تحرر النساء، ومن دون حريات العقول ومن دون إعادة قراءة التراث وتغيير الريف بشكل حديث، وقد تصاعدوا بين المؤسسات العبادية وحولوها لأجنحةٍ يطيرون بها نحو السلطة، وأهالي هذه المؤسسات غير قادرين على فهم العصر، ويريدون تغييراً في ظروف المعيشة، والإخوان يركزون على آلة الدولة التي تخرلا نقوداً على الكبار، من دون أن يحددوا هل هم غير ذلك؟ وهل مسألة الحكم مثل توزيع العيش والدهن في الحارات؟

الناس يريدون تغييراً معيشياً، وتجاوزَ (الغُلب) والشظفَ وظروف السكن والدواء والحياة الصعبة، ولهذا صوتوا وسوف يصوتون لمرشحي الإخوان المزدوجين.

فمرشحُ الجماعة أبوالفتوح الذي بدأ حملاته مبكراً بالانشقاق عن الجماعة، يمثلُ طبخةً ما داخل هذه الطبقة الوسطى المنقسمة دولةً ومعارضة، حداثةً وتقليدية، وهو منذ البداية طرحَ شعارات ناقدة لبعض سلوك الجماعة، مقارباً بهذا الليبراليين، ومحتفظاً ببعض قواعده بين الإخوان ومضيفاً إليها قواعد جديدة من السلفيين.

وحركته السياسية الاجتماعية هي حراكٌ ذاتي أكثر منه حراكاً موضوعياً، فالجمعُ بين جذبِ الليبراليين والتحديثيين والسلفيين تحتاجُ في التطبيق إلى بهلوان يقفزُ كلَ الحبال، ولا تشكلُ فريقاً منسجماً في قيادة الدولة ولا توحداً في الجمهور.

لكنه في المقابل يقوم بخلخلة خصم الحكومة البارز والقطب الصاعد وهم الإخوان، ويحاول أن يكوّن جبهةً عريضة تمتد من أعماق الريف حتى قلب المدن، وحين يفوز سيركز في المشروعات التنموية الكبرى، لكن سياسة إمساك العصا الاجتماعية من الوسط تحتاج إلى معجزات.

عمرو موسى يأتي من ذات القطاع العام الذي تكلّس واحتضر، سواءً بسياساته الاجتماعية الاقتصادية أم في سياساته الخارجية التي حولتْ مصر من عملاق عالمي إلى كائن ضائع الملامح.

لكنه يبدو للكثيرين أفضل من القادم المحافظ (حزب الإخوان) الذي بدأ زمنه بالحديث عن المراقبة البرلمانية فقط ثم اندفع نحو السيطرة على السلطات كافة.

هنا يتوهجُ عمرو موسى فهو رغم عمله داخل المؤسسات العامة السابقة لكنه لم يرتكبْ جرماً أو يُتهم بفساد، بل ان الطبقة الحاكمة السابقة أخرجتُهُ من بين صفوفها نحو قيادة الجامعة العربية لتستريح من وجع الدماغ الليبرالي المستقيم.

وحين دخل الجامعة المشلولة لعقودٍ بدّلَ طبيعتها، وحولها لكائن قومي عربي أكثر من الدولة المصرية وهي قيادة العروبة السابقة.

والأهم هو أنه ذو فكر حديث ومتفتح، وقادر على لملمة الطيف الاجتماعي المصري حداثيين ودينيين إسلاميين متنورين ومسيحيين.

ومصر تحتاج في هذه الفترة إلى قائد متفتح يكرسُ فترةً ديمقراطية سلمية تحديثية آمنة، ويُرحّل العسكريين رفاق السلاح السابقين إلى مثواهم السياسي المريح، ويجعلهم موجودون دائماً لمقاومة خطر الجماعات المذهبية والدينية المتوترة الأعصاب، كما حدث في الإسكندرية عبر الصراع الخطير بين الإخوان والسلفيين، حين استخدم بعضُ خطباء المساجد دور العبادة هذه ليصفوا أبوالفتوح صديقهم السابق بالتآمر وأن المشروع الإسلامي قادم رغماً عنه، وكأن الرجل وبقية المتنافسين هم غير مسلمين ولا يحملون مشروعات وطنية وإسلامية ومسيحية وإنسانية. فهل هذا هو الخطاب المتعقل الديني؟!

ولن يخرج أبوالفتوح لو فاز عن جماعته وفي جولة الإعادة إذا حدثت سوف يتم الإصطاف حوله أو في الرئاسة إذا جاءت.

أعتقد شخصياً أن حمدين صباحي يمثل الشخصية المطلوبة لمصر الآن فلديه برنامج اقتصادي سياسي هو العلاج الدقيق لمشكلاتها، لكن التراث الوطني الناصري لم يشكل تراكماً جماهيرياً خلال العقود السابقة، فيما رأس المال الحكومي ورأس المال الخاص الديني هما المتصارعان حول السلطة في مصر ولا بد لأحدهما دون غيرهما أن يفوز.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة