الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٦٩ - الأحد ١٣ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٢ جمادى الآخرة ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الإخوان المسلمون بين إعصارين





ظهرتْ حركةُ الاخوان المسلمين في زمنيةِ الاستعمار الغربي ومحاولته الهيمنة الشمولية على مصر والبلدان العربية، وقد رأتْ الحركةُ بشكل ردة فعل أن ما يقوم به الغرب من نشر لليبرالية والحداثة هو كارثةٌ على المسلمين و(مخطط) هدفه إلغاء الإسلام.

لم تميزْ الحركة بين الغرب كاستعمار والغرب كحداثة، وديمقراطية، وهي حصيلةُ نضال كل الأمم عبر التاريخ، ومنهم المسلمون بشكلٍ كبير معروف، فقاموا بالتعميم والإطلاق.

علينا أن نرى في هذا الوقت أي في النصف الأول ثم الثاني من القرن العشرين ثقافة النخب الإيرانية وهي تردد« إن الغرب ضربة شمس»، أي المقولات نفسها وقد رأينا مسار التجربة الإيرانية حين تقوم على هذه الرؤية.

وهو أمرٌ يعكس الجذور القروية والبدوية الشمولية نفسها داخل الحياة الأسرية والاجتماعية، وهيمنة الرجال المحافظين الذين يفسرون سيطرتهم الذكورية باعتبارها هي الجزء الأساسي من تعاليم الإسرة والأحوال الشخصية في الإسلام.

إن توجه الإخوان المسلمين إلى الشمولية الاجتماعية ثم السياسية كرد فعل للغرب المرئي كاستعمارٍ بإطلاق، جعلهم يعودون للآراء الدينية الفقهية غير المقروءة بشكل موضوعي، فهم يسقطون الذكورية الاستبدادية نفسها على الإسلام المؤسس، أي يركزون على مسائل تعدد الزوجات والحجاب والعقوبات يحيلون ما هو ثانوي وضروري في ذلك العصر إلى أحكام مطلقة وتغدو هذه الأحكام بؤرة رئيسية وخاصة في المراحل الأولى للدعوة ولم تزل عند الحركات السلفية من دون تغيير.

ولهذا ظنوا ثورة الجيش المصري هي توجه واسع للحداثة، لكن الجيش في محاولته الهيمنة الشمولية هو الآخر رفض تصورهم السياسي الديني الشمولي، وتقلقل بين حداثةٍ غربية جزئية وبين دكتاتورية شرقية.

فهناك التقاء بين رجال الثورة العسكرية الشمولية وبين الإخوان كقوى شمولية، فلهم علاقات مشتركة مع الإقطاع، أي هيمنة الذكور المحافظين على الحياة والأسر، وسيطرة الإقطاع الزراعي، ومنع العقلانية الفكرية في قراءة التراث والواقع.

كما أن الضباط الأحرار وقادة الاخوان هم من دفعة الريف، وهو يتمددُ بمحافظته على المدن ويفرض مقاييسه المضادة لليبرالية والديمقراطية والماركسية.

لكن التمايز في الدفعة هو نتاجُ المواقع بين فئات البرجوازية الصغيرة القادمة من الجيش أو من الفئات المدنية، وكلٌ منها يقوم بفرض نفسه.

الضباط الأحرار هيمنوا على الملكيات العامة باسم الاشتراكية، والاخوان هيمنوا على العائلات والحياة الاجتماعية باسم الإسلام، وكلاهما يعبر عن وجهين من الإقطاع، الأول في القسم السياسي الحاكم، والثاني في القسم الاجتماعي الحاكم.

هي الثنائية نفسها بين الرشيد ورجال الدين، ثنائية الاختلاف بين من يهيمن على الدولة ومن يهيمن على الحياة الاجتماعية من خلال الدين.

بعد ذلك تغدو رأسمالية الدولة وما سُمي الاشتراكية هي توسع هيمنة الضباط على الاقتصاد والشؤون العامة، فهو توسع الشمولية، وضرب التوجهات الفردية المستقلة، وتحويل المجتمع إلى معسكر.

وهكذا فإن الاخوان في مصر واجهوا إعصار الغرب الاستعماري بالتمسك بالماضي الديني الاجتماعي، من دون قراءة عميقة مركبة، ثم واجهوا إعصار الشرق (الاشتراكي) الذي ظهر كعاصفة ضد التراث و(التخلف) من دون أن يحقق ما وعد به من إنجازات تحولية عميقة، لأنه قام على الشمولية ورفض جذور الأمم الإسلامية والتعددية والتنوع.

ولهذا مر الإخوان بمرحلتين في العقود الأخيرة.

فقد تأسست أفكارُ سيد قطب على تأسيس دكتاتورية دينية مضادة للاشتراكية، من خلال تأزمه الشخصي، ومن خلال تصعيد بعض العناصر الشمولية في الإسلام وتحويلها إلى بناء كلي، ورفض لنضاليته الشعبية الديمقراطية.

لقد تفاقم هنا الارتداد عن العناصر التحديثية الإنسانية التي مصدرها الغرب، وغدت لدى سيد قطب عدوةً، وقام بأدلجة الإسلام حسب ضيق زنزانته، لا حسب رحابة الإسلام.

ثم بعد تصدع منظومات رأسماليات الدول الشرقية، ذات الشكل الاشتراكي، ظهرت مراجعة مختلفة للغرب والديمقراطية والحداثة، وصارت هناك مقاربة لها في حركة الإخوان، فتم تأييد الديمقراطية بشروطٍ دينية!

حتى الآن لم تتم مراجعة القالب الشمولي للحركة باعتبارها حركة سياسية ودعوة دينية وجماعة رياضية وغير ذلك من مهمات شاملة وكأنها دولة، وانفصام الحركة بين حزب وجماعة، وانفصام الحركة بين مجددين وتقليديين، يجعل من توليهم زمام سلطة دولة عربية كبيرة كمصر مسألة محفوفة بالمخاطر، لأن هذه التناقضات الداخلية العميقة، بين بذور ديمقراطية ومبنى شمولي، ستنعكسُ على بناء الدولة ومؤسساتها، كما نرى في بواكير السلطة الزاحفة على الحكم، ولكن في الحكم تغدو الاختلافاتُ جاذبة للناس وللمؤسسات العسكرية والأمنية والاقتصادية لحَومتها ومعاركها، وكان يُفترض أن تبقى الحركة كما أعلنت بألا تدخل المؤسسات التنفيذية وتبقى مشرعة ومراقبة، حتى تتطور وتعرف ما هو اتجاهها وهل قبلت بشروط الحداثة أم ستضع قدماً في العصر وقدماً أخرى في الماضي التقليدي؟



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة