المؤذن يقرأ »خاتون والنسوة
وما يشتهين« في مركز جدحفص الثقافي (١-٢)
 تاريخ النشر : السبت ١٩ مايو ٢٠١٢
متابعة: علي الستراوي
ضمن فعاليات مركز جدحفص الثقافي أقام المركز الأحد الماضي أمسية أدبية للقاص البحريني أحمد المؤذن التي جاءت قراءة لمجموعة حسن بوحسن القصصية المسماة » خاتون والنسوة وما يشتهين« بحضور لفيف من المثقفين يتقدمهم القاص بوحسن.
وقد أدار الأمسية الشاعر علي البقالي، حيث رحب بالحضور منوهاً بتجربة بوحسن فاتحاً المجال للمؤذن في رصف معالم قراءته لمجموعة المؤذن.
الذي قال في بدء قراءته للمجموعة إن أبواب ونوافذ القاص بوحسن في عالمه القصصي، تؤكد حضوره في المشهد الثقافي البحريني من بعد إصداره الأول (عواطف في أحضان الغول ٢٠٠٠ -م) الذي عالج قصصاً من جو القرية ببراءتها الأولى وبساطة سكانها، أما اليوم في الإصدار الجديد فها هو يمضي بنا إلى تعقيدات المدينة بكل اشكالياتها واختناقاتها الإنسانية، مفجراً ثقافته المختزنة التي تجد تشظياتها ضمن النصوص وهي تعري هواجس البسطاء الذين تنهشهم أنياب الحياة والغريزة والورطة أو تجدهم يتجرعون الصبر من أجل حب الوطن رغم كل المنغصات.
يقف المؤذن على عنوان قصة «غـربـة» من المجموعة، فيقول:من بعيد لمحت رجلا جافا كالصحراء يقترب مني وينهرني، تعجبت من أسلوبه البدائي وطريقة تعامله معي، صبرت على تطاوله كثيراً، كظمتُ غيظي وحاولتُ بكل ما أملك من صبر أن أمتص غباءه وحمقه، زوجاته البلهاوات يشعلن فيه النار ويدفعنه نحوي، ويستجيب لنزعتهن، وأولاده الذين يُحشرون في المراكز الصحية والمدارس يضيفون جمراً على حمقه بحركاتهم الاستفزازية، ويظل هو يتقدم خطوات في اتجاهي مباشرة ويرعبني بقامته الرفيعة حين يأخذ مكاني الذي أقف عليه ويحتله صفيـة ص ٢٩).
يوضح المؤذن ان سبب اختياره الحديث عن هذا النص في بداية قراءته للمجموعة وذلك للدلالات المهمة التي يحفل بها، بدايةً من العنوان: «غربة» وهي هنا يقصد بها القاص بوحسن، غربة المواطن الذي يقع ضحية اللعبة السياسية المرتكزة على قنبلة التجنيس العشوائي، حيث يتوحد القاص مع المواطن العادي في همه اليومي من خلال المعالجة الأدبية، يؤكد فيها انحيازه إلى وطنه وخوفه عليه من لعب السياسة ومغامراتها التي تزج بمستقبله نحو هاوية المجهول.
دلاله أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، في السؤال الذي يثيره هذا النص عن مغزى الهوية الوطنية وما تشكله في وجدان المواطن الملتحم بتراب أرضه، فهل حقا ان بإمكان «الغريب» فهم سيكولوجيتها وتشربها بالإكثار من التناسل لإخلال التركيبة الديموغرافية؟
ثم يقف المؤذن مرة أخرى تحت عنوان قصة «انتظـار آخـر» من نفس المجموعة:
»فتح نار غضبه على عمي وصرخ في وجهه بصوت عال، (البئر يا أخي ما فيها خير)، تساقطت هذه الكلمات على عمي كحبات الجمر وأغبطته، كان وقعها شديداً جداً كما لمحته من احمرار وجه وتلعثمه في الكلام، رد عليه بصوت خافت(كيف ما فيها خير والكل يغرف منها إلى يومك هذا؟).. ص ٤١«.
خطابٌ درامي
بعد التوطئة التي قدمها المؤذن واستشهاده بقصتين من المجموعة يسرد المؤذن رؤيته مضيفاً: ان مجموعة (خاتون والنسوة وما يشتهين) تنتهج لنفسها خطاً درامياً يعتمد التكثيف كأسلوب فني يعالج العقدة والحدث ضمن مساحة رمزية، يلعب من خلالها «بوحسن» ولا يصرح في أحيان كثيرة بما يريد معتمداً على المتلقي وذكائه في تعرية أحجية الصورة ومدلولاتها وهو ما نراه واضحاً في قصة «انتظار آخر»، فالقصة تتوغلُ في فضح أمرٍ سياسي يتعلق بالاقتصاد وتقاسم الثروة وعدالة المشاركة السياسية ما بين الحاكم والمحكوم، فالقاص هنا يسجل إيحاءاته ويرسم مشهدية «جريئة» وجميلة تجعلنا نتوقع أكثر التساؤلات تفجراً وإشكالية حول هذه القضية التي يتبناها القاص ويرفعها كلافتة احتجاج ضد كل ما هو مسكوت عليه، ومحظور الكلام بشأنه.
موضحاً تلك الرؤية بشاهد من المجموعة في إشارته لقصة «دهـر».
(وظَلَّ هنا وظَلَّ وظَلَّ، هل عقمت الأمهات أن يلدن مثله؟) ص.٣٨
يؤكد المؤذن: ان رسالة سياسية أخرى بالغة الإيجاز، يخترقها قلم »بوحسن« تعالج استبداد الأنظمة الديكتاتورية بالسلطة وسنواتها الديناصورية التي تقضيها في سدة الحكم ترسم وتخطط كل شيء وهي وحدها التي يجب أن تكون في المقدمة تصرخ بالشعارات وتصنع الانتصارات الزائفة.
هي إذاً إدانة صريحة لسلطة القهر التي تقدس الأنا متسلطة التي ترى نفسها متفوقة ووحدها فقط قادرة على قيادة الجماهير إلى غمار التحديات.
معتبراً أن بوحسن قد تمسك بفنية القصة الحديثة المعتمدة على أسلوب «الومضة» في الانطلاق بالقصة «التكتيك» الذي يعتمده «بوحسن».. ويندرج ضمن حركة (الحد الأدنى) التي برزت في الولايات المتحدة ونادت بكتابة مختصرة لحياة مختصرة ورأت أن القصة القصيرة أو الأقصوصة هي خير تطبيق لهذا المبدأ، وهي الأكثر ملاءمة لروح هذا العصر - الومضة الشعرية/ فواز حجّو - مجلة الموقف الأدبي ٣٧٣ - أيار ٢٠٠٢م اتحاد الكتاب العرب - سوريا.
موضحاً أن القصة بهذه الكيفية الفنية «الومضة» تتحرر من نمطية الشكل التقليدي المعتاد وتعيد قولبة «زمكانيتها» بما يتناسب مع قارئ يتوقف عند الرصيف ينتظر سيارة أجرة، يستطيع في هذا الحيز الزماني المعدود من الدقائق، قراءة قصة أو قصتين، تكفي لتشعله بالأسئلة والمتعة الأدبية الخفيفة والسريعة الهضم.
هنا تحديداً نكتشف كيفية التعبير والمعالجة في أسلوب «بوحسن» وهو يتجه إلى المتلقي وهو يعرف كيف يفكر ويريد كل شيء سريع متوافق مع حياته، والوجبة السريعة التحضير «القصة» هنا تعطي مفعولها المتوخى، وخصوصاً أن القاص خاض تجربةً سابقةً وخَبرَ آلية العلاقة بين القاص والمتلقي وتوازنها ضمن معادلات حسابية فنية، تفضي إلى نجاح القصة من حيث الفكرة والمضمون.
مفسراً رؤيته بشاهد من المجموعة وهي قصة »ابتـلاع الجسـد« كلما تكاسل عن الذهاب معه إلى البحر، قال لي (قم سأريك أملاكي التي هي لك بعد حين)، أرد عليه (بعد عمر طويل).
يا لحنكته وروعته، كان يعرف كيف يبتلع الخمول من جسدي، ويجرني بالكلام ويردفني خلفه وأنا أطفق طرباً لمرافقته. وكان يبث فيّ الحماس والتطلّع إلى المستقبل بعينين ثاقبتين، وكلما توغلنا في البحر ولمح باخرة قادمة من بعيد، قال لي/ هي يا ولدي.. انظر، هذا المركب ملكي، وباخرة عملاقة أخرى قادمة في اتجاهنا، يغني لي من جديد ويطربني أكثر، هناك يا ولدي انها قادمة، وتلك التي على يمينك، والأخرى التي على شمالك والتي خلفك، كلها لي ولك من بعدي وأطرب حتى الثمالة (ص٢٨).
الدهشة التي تتولد في هذه القصة، مرتبطة بالتوصيل وإشعال مخيلة طفل على الأرجح، لكي يستحثه والده ويحمله على مرافقته إلى البحر، قام بتضخيم الصورة أمامه ورسم عالما وهميا، تجلى في ادعاء الأب، أن جميع السفن العابرة التي تمر أمام قاربهم الضئيل، هي من أملاك الأب الواسع الثراء.
هذا الأب في النهاية مجرد رجل مطحون من عامة الشعب، لكنه يتجاوز واقعه بالمزيد من الأحلام الوهمية ولكي يزرع في روح ابنه غنى النفس حتى لا ينشأ وهو يعاني شبح الفقر ولكن..
هل نجح في أحلامه الدخانية التي أوجد عوالمها بأن قدَّم الحماية لابنه من واقع الفقر؟
العلاقة بين الشخصيات والمكان
وفي بعد آخر يقف المؤذن بالقرب من تلك العلاقة التي اقترب منها بوحسن وهي علاقة الشخصيات بالمكان، معتبراً اياها المؤذن انها: العلاقة ما بين الشخصيات والمكان في المجموعة تلتحم بالهم اليومي، فقصة «ابتلاع الجسد» المكان فيها وهو «البحر» يندرج كفضاء مواز لحالة «الحلم = الوهم» وفي قصة غربة هوية المكان تتبدى كوطن يتسرب من بين أصابع أصحاب الأرض ويشخص في الواقع كوجع لا فرار منه، فيظهر الأثر المباشر وغير المباشر على كينونة هذا الإنسان ضمن سياق السرد وموضع صهر القصة وصولاً إلى غايتها التي تبلغ حد كشف فجاجة الوضع الراهن، »بوحسن« يعري خواء الأشياء حوله بجرأة فاعلة تعبر إلى حدود التلميح وتختار الصدام بما تبينه من مضامين نستشعرها بعمق، تعطي القصة القصيرة جدا الأرضية الصلبة التي يتوافر عليها.. (مثل هذا الفن يحتاج إلى ملكات فنية، وقدرات إبداعية خاصة، لأن القصة القصيرة جدا ظلال لغة مكثفة، تتماوج وتتحرك بين ظهراني السطور القليلة، من خلال لمحات ما تكاد تظهر وتبين حتى تختفي وراء غلالة رموز اللغة الشفيفة التي تغري المتلقي باقتحام خدرها، بعد أن تكون قد دغدغت عواطفه وحركت أشجانه وهيأته نفسيا لدخول عوالمها الفنية المتميزة بالحركة الفنية الفاعلة التي تقف وراءها). فن القصة القصيرة جدا - محمد غازي التدمري / مجلة الموقف الأدبي - العدد ٣٢١ / كانون الثاني ٩٨
.
مقالات أخرى...
- طبعة جديدة من رواية رأس الحسين - (19 مايو 2012)
- المكانُ المَعذور - (19 مايو 2012)
- الموتُ أقصرُ رحلةٍ للوأد مذكراتُ الحلم في (درسِ السعادة) للقاص محمد عبدالملك (١- ٣) - (19 مايو 2012)
- قضايا ثقافية الثقافة في رحمة التاريخ - (19 مايو 2012)
- الأرضُ تحت الأنقاضِ مشاهدٌ روائيةٌ من غزو (١٧) - (19 مايو 2012)
- قصة قصيرة تطهير الشرف (١) - (19 مايو 2012)
- البحرين الثقافية ٦٨ وثقافة الحداثة - (19 مايو 2012)
- قصة قصيرة الشاعـــــــــــــــــــر (٢) - (12 مايو 2012)
- «فضائح الترجمة».. كتاب يكشف مشكلات وطرائف المترجمين - (12 مايو 2012)