الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٤ - الاثنين ٢٨ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ٧ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


سنوات لا تبشر بالخير





الشعب المصري وحده هو المسئول عن نتائج خياراته الانتخابية فقد أوقعت صناديق الاقتراع أبناء شعب بين خيارين في اعتقادي وبقناعتي الشخصية، أن أحلاهما مر، فالناخبون هم الآن بين خيار انتخاب مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي أو آخر رئيس وزراء في عهد النظام الذي أسقطته الجماهير المصرية في يناير من العام الماضي الفريق أحمد شفيق، فالأول يمثل جماعة تبشر بدولة دينية من المؤكد أنها إن كتب لها النجاح وقامت فلن تقوم لمصر تحت لوائها قائمة، حيث مثل هذه الدول التي تعتمد الأيديولوجيا الدينية لتسيير شئون الدولة والمجتمع متعددَي الثقافات والأديان والأفكار لا يمكن إلا أن تكون دولة متسلطة، أما الثاني (أحمد شفيق) فهو خريج مدرسة لنظام جثم على صدور المصريين أكثر من ثلاثة عقود نجمت عنها أزمات اقتصادية ومعيشية واجتماعية تحتاج إلى عدة قرون كي تتمكن مصر من الخروج منها.

لا يقلل المرء من الحضور والقوة السياسيين لجماعة الاخوان المسلمين في مصر، ولكن هذه القوة ليست مستمدة من تجربة سياسية على أرض الواقع وإنما هي إفراز لقناعة مجتمعية يمثل الدين الإسلامي فيها ركنا حياتيا مقدسا، وبالتالي تغلغل الفكر الديني الإسلامي في أوساط شرائح عريضة من الشعب المصري هو الذي وفر لجماعة الاخوان المسلمين هذه القاعدة الجماهيرية العريضة كغيرها من جماعات الإسلام السياسي في العديد من الدول العربية والإسلامية، ومن المؤكد أن هذه الجماعة إذا ما توافر لها النجاح في الانتخابات الرئاسية، وهو الأرجح بحكم أن معظم المصريين لا يريدون أن تعود رائحة النظام السابق إلى أجوائهم مرة أخرى، وهو الأمر الذي لن يخدم الفريق أحمد شفيق، لكن الاخوان المسلمين كغيرهم من حركات الإسلام السياسي هم أضعف من أن يقودوا دولة عصرية ناجحة، لهذا فإن هذه الحركات هي الآن مقبولة جدا ومرحب بفوزها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأخرى لأنها (حركات الإسلام السياسي) لا تملك برامج تأسيس دولة عصرية قادرة على تحقيق النجاحات الاقتصادية والاجتماعية، كون ما يهمها بالدرجة الأولى هو تطبيق التعاليم الدينية وإرغام الناس على القبول باجتهاداتها وتفاسيرها لهذه التعاليم، وبالتالي فإن أي دولة تقع تحت حكم أي من حركات الإسلام السياسي التي تنادي بأسلمة الدولة والمجتمع، ستكون دولة مقبولة من جانب الغرب وأمريكا لأنها باختصار ستبقى دولة متأخرة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.

لقد أثبت الاخوان المسلمون وبعد أن حازوا أغلبية أعضاء مجلس الشعب إلى جانب اخوانهم السلفيين أنهم مشتاقون إلى إقامة الدولة الدينية من خلال دستور ينص على ذلك، حين أرادوا تشكيل اللجنة المكلفة بصياغة هذا الدستور حيث استحوذوا هم وإخوانهم على الغالبية العظمى من أعضائها قبل أن تبطل المحكمة الإدارية تشكيلها، فهذه كانت أول إشارة غير ديمقراطية تبعثها حركة الاخوان المسلمين تحت تأثير نشوة الانتصار النيابي الذي حققته في انتخابات مجلس الشعب، ومثل هذه الرسائل ستبعث في أكثر من مناسبة وخاصة إذا ما تكللت جهود المعركة الرئاسية بالنصر لصالح هذه الجماعة التي ستحظى بدعم السلفيين بكل تأكيد، أو غيرهم من القوى، ليس حبا في «الإخوان»، وإنما كرها من رائحة النظام السابق.

من المرجح جدا أن يكون مستقبل مصر بين أيدي الجماعات الإسلامية من «اخوان» و«سلفيين»، فالجماعتان أقرب إلى بعضهما بعضا من حيث المزاجان السياسي والاجتماعي من القوى الأخرى، وخاصة القوى الليبرالية والعلمانية واليسارية بكل تأكيد، وهو مستقبل لا أعتقد انه يبشر بالخير، ولكن لا خيار أمام الشعب المصري بشرائحه ومكوناته الدينية والسياسية كافة سوى التسليم والقبول بالنتائج التي تفرزها صناديق الاقتراع، وهو بكل تأكيد سيبقى مراقبا بعناية لتجربة حكم «الإسلاميين»، فالشعب المصري لم يجرب هؤلاء سوى تجربة نظرية، أما التجربة العملية، وهي الأهم فسوف يمر بها بعد أن تقول صناديق الاقتراع كلمتها الأخيرة.

المهم الآن ليس التفكير في كيفية إدارة قوى الإسلام السياسي للدولة المصرية بعد الثورة الجماهيرية التي أطاحت بنظام حسني مبارك، وإنما المهم هو الحفاظ على أهم مكتسبات هذه الثورة المتمثلة في انتزاع الشعب المصري لحريته الكاملة في اختيار طبيعة النظام السياسي الذي يحكمه، فالممارسة المستمرة للعملية الديمقراطية سوف تغني التجربة وترفع من وعي الجماهير المصرية وتمكنها من اختيار قادة الدولة السياسيين بعيدا عن العواطف الدينية أو غيرها.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة