الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٩ - السبت ٢ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١٢ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


لا مستقبل لمصر من دون الدولة المدنية





حاله حال أي مرشح يخوض معركة انتخابية، أيا كان شكلها أو المنصب الانتخابي، فإن من حق مرشح الإخوان المسلمين إلى منصب الرئاسة في مصر محمد مرسي استخدام جميع الأدوات والأساليب والوسائل الدعائية القانونية لحشد أكبر تأييد من الناخبين لحملته الانتخابية، وبالتالي فليس هناك أحد له الحق في الاعتراض من حيث الشكل، على الوعود التطمينية التي وزعها المرشح الإخواني على مكونات أساسية من مكونات الشعب المصري وتحديدا المواطنين المصريين الأٌقباط وكذلك المرأة، باعتبار أن هذه الشرائح والمكونات، تحديدا تتوجس من التهديد الذي يحمله برنامج الإخوان المسلمين السياسي للدولة المدنية، كما تستهدف الوعود استمالة جمهور عريض من القوى الثورية التي لها مآخذ كثيرة على المواقف الانتهازية لجماعة الإخوان المصريين إبان الثورة وبعدها.

المفكر المصري كمال زاخر (قبطي) وصف كلام مرسي الموجه إلى الأقباط الذي قال عنهم إنهم «شركاء في الوطن لهم جميع الحقوق كاملة»، وصفه بالكلام «المعسول الذي عادة ما يقال في الحملات الانتخابية ولا يترجم عندما يصلون إلى السلطة»، مطالبا بضمانات لأننا، بحسب زاخر، «نتعامل مع جماعة لا شخص»، وهذا هو بالضبط مربط الفرس، فجماعة الإخوان المسلمين ومنذ تأسيسها في مارس عام ١٩٢٨ على يد حسن البنا حتى الآن لم يعلن تنظيم الإسلام السياسي المذكور صراحة تخليه عن هدف إقامة الدولة الدينية، أي بصريح العبارة أنه مصمم على إلغاء الدولة المدنية وبالتالي فإن هواجس الآخرين تبقى قائمة ومن الصعب أن تذليلها بمجرد إطلاق الوعود الانتخابية.

ما يدعم هذه التوجسات أيضا أن جماعة الإخوان المسلمين وبالتحالف مع أشقائهم السلفيين انقضوا على اللجنة التأسيسية المنوط بها إعداد الدستور المصري الجديد (٩٠ في المائة من أعضائها من الجماعتين) ضاربين بعرض الحائط هواجس المكونات الشعبية الأخرى، ولولا تدخل المحكمة الإدارية وإبطالها قرار تشكيل اللجنة المذكورة لوضعت الجماعة وأشقاؤها دستورا مفصلا تماما حسب أهوائهما وتفاسيرهما لتعاليم الدين الإسلامي، كما أن الجماعة صرحت علنا بأنها لن تدفع بمرشح لها في الانتخابات الرئاسية، وهذا وعد لم تف به الجماعة، وبالتالي يمكن القول إن مجرد هاتين الحادثتين كفيلتان بتعميق هوة عدم الثقة بوعود جماعة الإخوان، وهي هواجس في مكانها ومشروعة في الوقت نفسه.

ما وزعه المرشح الإخواني من وعود للناخبين هدفه بكل تأكيد دعم موقفه الانتخابي في مواجهة الفريق أحمد شفيق المحسوب على فلول النظام السابق، ويقدم الدليل والبرهان القاطعين على الانتهازية السياسية لهذه الجماعة، إذ انها تبقى وعودا شفهية لشخص ينتمي إلى جماعة استخدمت الدين الإسلامي ببراعة للنفاذ إلى عقول البسطاء من أبناء الشعب المصري، فكونت لها قاعدة عريضة من الجماهير التي من المؤكد أنها ستكتشف لاحقا زيف هذه القوة حين تخوض معترك التجربة العملية بعيدا عن نرجسيات النضال النظري.

ما أطلقه المرشح الرئاسي لجماعة الإخوان المسلمين من وعود وخاصة تلك الموجهة إلى الأقباط المصريين والنساء، ليس لها مكان بين اسطر البرنامج السياسي لهذه الجماعة، التي ترفض على سبيل المثال لا الحصر، تولي أي قبطي رئاسة الجمهورية المصرية، ولا تقر بحق المرأة في تولي هذا المنصب أيضا، فأي «شراكة في الوطن، وأي حقوق كاملة» تلك التي يتحدث عنها محمد مرسي؟ ألم تخرج أصوات إخوانية تتوعد بفرض الجزية على المواطنين المصريين الأقباط؟ ألم يتوعدوا بأسلمة القوانين المصرية؟ كل هذا ألا يعد تهديدا صريحا بإلغاء الدولة المدنية وإقامة دولة الخلافة؟

في السياسة كل شيء جائز، بما في ذلك تغيير المواقف بحسب التغيرات السياسية والاجتماعية وغيرها، فهي «فن الممكن»، أما في الدين فلا تجوز المراوغة وإطلاق وعود تخالف القناعة الدينية، فجماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من قوى الإسلام السياسي، تستغل الدين لتحقيق أهداف سياسية، وإطلاق وعود من الصعب عليها الالتزام بها، إلا إذا نزعت عباءتها الدينية وتفرغت للعمل السياسي فقط، حينها تستطيع أن تقر بحق المواطن المصري القبطي والمرأة كذلك في تولي منصب الرئاسة.

يجمع المراقبون لجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية المصرية يوم ١٦ و١٧ من الشهر الحالي على أن المنافسة بين المرشح الإخواني محمد مرسي وبين الفريق أحمد شفيق ستكون مثل المعركة حامية الوطيس، بل ذهب البعض إلى تشبيهها بالمعركة بين الدولة الدينية التي يمثلها محمد مرسي والدولة المدنية التي يمثلها أحمد شفيق، وفي هذا التشبيه عين الصواب، فمهما حاول محمد مرسي أن يطرح عباءته الدينية جانبا عندما يخاطب الناخبين وتصريحه بـ «التخلي» عن رئاسة حزب الإخوان في حالة فوزه بالرئاسة، فإنه يبقى ممثلا لمشروع الدولة الدينية.

الأمر بالنسبة إلى الفريق شفيق مختلف تماما، فهو من أنصار الدولة المدنية ويصر على بقائها، لكن عيبه الكبير أنه خرج من جلباب نظام الرئيس الذي أسقطته الجماهير المصرية، هذه الجماهير متوجسة مما تراه سندان الدولة الدينية ومطرقة النظام الزائل، ولكن يجب علينا أن نقر بأن شفيقا، مهما كانت علاقته بالنظام السابق، إلا أنه لن يستطيع تكرار تجربته أو إعادة رموزه إلى السلطة في حال فوزه بمنصب الرئاسة، فالجماهير المصرية خلعت رداء الخوف تماما ولن تتسامح إطلاقا مع أي محاولة لتكرار تجربة النظام الفاشل في مصر، ومن هنا فإن خيار الدولة المدنية، بالنسبة إلى المصريين على المدى البعيد هو الخيار الأفضل.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة