الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٩٢ - الثلاثاء ٥ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١٥ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


ليس صراعا بين الشيعة والسنة -٢





تحدثت أمس عن الطرح السائد في الغرب اليوم والذي يروج لأن الصراع في المنطقة العربية اليوم وفي منطقة الخليج بالذات هو صراع طائفي بين الشيعة والسنة سوف يستمر ويتفاقم, وقلت ان هذا طرح خاطئ وخطير, فالصراع هو سياسي حول اجندات سياسية دولية واقليمية ومحلية ايضا.



لكن الخطورة في هذا الطرح ومن الالحاح الدائم عليه انه هو بحد ذاته يفجر عداءات وصراعات طائفية ويفاقمها ويكرسها.



وهذا امر مقصود.



نعني ان قوى مثل امريكا ومثل ايران لأنها تعتبر ان الخلافات والصراعات الطائفية بين الشيعة والسنة في المنطقة اداة اساسية لتحقيق اهدافها وغاياتها السياسية ومخططاتها, فانها تسعى عن عمد الى تكريس هذا الاعتقاد في الوعي العام بان الصراع في اصله طائفي مستحكم, وتسعى الى اثارة الفتنة الطائفية فعلا.



ولهذه القوى اساليب كثيرة معروفة لمفاقمة الخلافات الطائفية ولاثارة الفتن. هي تفعل ذلك عبر التحريض الاعلامي والسياسي, وعبر التآمر الفعلي والتحريض المباشر لاثارة الفتنة الطائفية.



نريد ان نقول ان الخطورة في هذا الطرح ومن الالحاح عليه ومن الانسياق وراءه انه يمكن ان يحوِّل الصراع السياسي الى صراع طائفي بالفعل.



وهذا هو الذي يفسر هذه المفارقة التاريخية التي نعيشها.



نعني ان السنة والشيعة في دول مثل البحرين او العراق وفي المنطقة عموما تعايشوا معا لحقب طويلة من التاريخ في وئام ومن دون أي صراعات كبرى مفتوحة. لكن فجأة وجدنا الخلافات الطائفية تحتدم وتشتد والفتنة الطائفية تطل براسها.



ولنتأمل سريعا الوضع في البحرين, فهو مثال حي لما نقول.



الذي حدث في البحرين منذ الأحداث التي تفجرت في مطلع العام الماضي, هو صراع سياسي حول اجندات سياسية وليست طائفية.



هو صراع بين قوى سياسية طائفية مرتبطة بالخارج حاولت ان تفرض على الدولة والمجتمع اجندة سياسية طائفية محددة, وبين الدولة واغلبية قوى المجتمع ترفض هذه الاجندة ولديها اجندة مختلفة للدولة وللسياسات العامة.



هو اذن صراع سياسي.



لكن الذي حدث للأسف الشديد هو ان هذا الصراع السياسي تحول بالفعل الى خلاف طائفي حاد, نشهد اليوم تجلياته المؤسفة في ذلك الانقسام الطائفي الحاد الذي يشهده المجتمع, وفي هذا الاحتقان الحاد بين ابناء المجتمع من السنة والشيعة على النحو الذي نعرف جميعا ابعاده اليوم.



كما سبق وقلت, الوعي بهذه الحقيقة امر في غاية الأهمية.. الوعي بأن القضية قضية صراع سياسي وليست الطائفية ولا ينبغي لها ان تكون قضية صراع طائفي بين الشيعة والسنة, ومن الخطورة بمكان طرحها على هذا النحو.



والوعي بهذه الحقيقة يترتب عليه الكثير من الأمور التي يجب ان تحكم اداء الدولة وكل قوى المجتمع بلا استثناء وعلى كل المستويات, سواء في خطابها العام, او في مواقفها وحركتها الفعلية.



الوعي بهذه الحقيقة يعني اولا وقبل كل شيء, ان يحرص الكل بلا استثناء على ان يظل الخلاف او الصراع القائم في المجتمع في حدوده السياسية.



بمعنى ان من حق الكل ان يدافع عن مواقفه السياسية او ان يرفض مواقف سياسية معينة, لكن من دون ان ينجر احد الى محاولة الباس هذا الصراع ثوبا دينيا طائفيا.



بعبارة اخرى, يجب ابعاد العلاقات بين ابناء المجتمع وروابطهم ايا كانت طوائفهم عن هذا الصراع السياسي. وليس من المقبول هنا ان تزعم أي قوة سياسية ايا كانت انها تتحدث باسم طائفة باسرها او تعبر عنها.



ويعني هذا انه في الوقت الذي من حق الكل فيه ان يختلف او يتصارع حول مواقف سياسية, فان الكل يجب ان يحرص في نفس الوقت على القيام بواجبه بشكل جاد ومخلص في محاولة انهاء الانقسام الذي يشهده المجتمع, والعمل على اعادة اللحمة الوطنية الى ابناء المجتمع.



ويعني هذا بدوره, من بين ما يعني, ان الكل في المجتمع بلا استثناء يجب ان يتوقف نهائيا وفورا عن أي تحريض طائفي, وعن أي خطاب او سلوك يمكن ان يروج للكراهية الطائفية, او يسهم في تأجيج المشاعر والمواقف الطائفية.



يبقى ان هناك حقيقة كبرى يجب ان يكون الكل على وعي بها, وان يتصرف على اساس هذا الوعي.



نعني حقيقة ان الخلاف او الصراع السياسي في المجتمع من السهل في نهاية المطاف احتواؤه وحسمه, والتوصل الى تسوية بخصوصه.



لكن الصراع الطائفي لو تفاقم لا سمح الله وتكرس في المجتمع, فستكون هذه هي الكارثة الوطنية الكبرى التي سيكون احتواؤها من اصعب الأمور.







.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة