الوحدة العربية.. لماذا؟ وكيف؟ (١)
 تاريخ النشر : الجمعة ٨ يونيو ٢٠١٢
بقلم: معن بشور
الحكاية الأكثر بساطة وحضوراً في ذاكرتنا منذ أيام الطفولة هي حكاية الأب الذي جمع أبناءه يوماً وأعطى كل واحد منهم عوداً وطلب من كلٍ منهم أن يكسره ففعل ذلك بسهولة، ثم جمع حزمة من العيدان وطلب من كل واحد منهم أن يكسرها مجتمعة فلم يستطع أي منهم ذلك، فكانت الحكمة التاريخية التي استخرجها الأب موصياً بها أبناءه: إذا عملتم كأفراد أمكن كسر كل واحد منكم على حدة، أما إذا جمعتم بعضكم بعضاً فما من احد قادر على كسركم مجتمعين.
أما الحكاية الأخرى التي شاعت في مجتمعنا العربي بعد ضياع فلسطين وقيام الكيان الصهيوني على أرضها، فهي أن فتى سأل والده: كيف يخسر العرب الحرب مع الصهاينة وقد كانوا يحاربون بسبعة جيوش، فأجاب الأب على الفور: لأنهم كانوا يحاربون بسبعة جيوش.
هاتان الحكايتان «الوحدويتان» البسيطتان اللتان تترجمان الآية الكريمة التي تتصدر اليوم قاعة اجتماعات مبنى جامعة الدول العربية في القاهرة «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا» تكاد تلخص أهمية الوحدة العربية كفكرة نابعة من قلب التراث، وكحاجة لمواجهة كل التحديات والمخاطر، وكطريق لمستقبل العرب الذين لا مستقبل لهم من دون الوحدة.
لماذا الوحدة؟
جاءت أحداث تاريخنا القديم والمعاصر لتؤكد سلامة قانون الوحدة، حيث ما توحد العرب أو بعضهم مرّة إلا وحققوا النصر على أعدائهم، والازدهار لمجتمعاتهم، وما تفرق العرب مرّة إلا وذاقوا مرّ الهزائم ومرارة الفشل وقسوة العيش.
ولكن هل تكفي حكاية جميلة أو آية كريمة لكي ندرك أهمية الوحدة العربية في حياتنا، أم أن لهذه الوحدة أيضاً أسبابا أخرى متصلة موضوعياً بماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم؟
١- الوحدة العربية كمشروع لتوحيد أبناء الأمة العربية هي التجسيد العملي لرابطة ثقافية حضارية عقائدية جمعت العرب في الماضي، وباتت شرطاً لاستقلالهم في الحاضر، وضرورة لنهضتهم في المستقبل.
إذ قلّما اجتمعت لجماعة أو أمة أو قارة عوامل تشدها إلى بعضها بعضا كما اجتمعت للأمة العربية التي يتكلم أبناؤها لغة واحدة هي اللغة العربية وما يرتبط بها من ثقافة، وتظلّلهم حضارة واحدة هي الحضارة العربية والاسلامية التي شارك في صوغها عرب مسلمون وغير مسلمين، ومسلمون عرب وغير عرب، تواجههم تحديات مشتركة على يد طامعين من الخارج ومستبدين في الداخل. بالاضافة إلى مصالح مشتركة تجمع بين اقطارها سواء على الصعيد الاقتصادي او السياسي او الثقافي ناهيك عن ضرورات الامن القومي.
وفي الوقت ذاته قلّما اجتمعت على جماعة أو امة أو حتى قارة من القوى لمنع وحدتها كما اجتمعت على الامة العربية قوى خارجية لها امتداداتها في الداخل، سعت وتسعى إلى ابقاء هذه الامة مجزأة، متناحرة، مشرذمة لمنعها من امتلاك الإرادة والقدرة على تحقيق استقلالها، واستثمار مواردها، والإسهام في الحضارة الإنسانية من حولها.
٢- في ظل هذا التناقض بين حاجة الأمة إلى وحدة تنسجم مع ماضٍ تليد جعلها في مقدمة الأمم على مدى قرون، وتواجه حاضراً مهدداً بكل انواع التحديات، وتهيىء لمستقبل ناهض، وبين عوائق خارجية وداخلية تحول دون هذه الوحدة، خاضت الأمة في مواجهتها، ولاتزال، أكبر معاركها من أجل استقلال دولها وحرية مواطنيها وتنمية مجتمعها وعدالة انظمتها والتجدد في عطائها الحضاري، وهي أهداف مشروعها النهضوي الذي يقع في قلبه هدف الوحدة العربية متلازماً مع الأهداف الأخرى، التي لا مقايضة بينها، ولا إقصاء لأحدها لحساب الآخر، بل بينها تكامل تظهر الأيام أن كل خطوة على طريق أي هدف من هذه الأهداف هي خطوة على طريقها كلها.
ويزداد هذا التناقض الصارخ بروزاً حين نلاحظ أننا نعيش في عصر لا مكان فيه للتكتلات الصغيرة، ولا مستقبل لها، بل أن بعض هذه التكتلات يقوم اليوم بين أمم وجماعات مختلفة، شهدت فيما بينها صراعات وحروبا دموية عنيفة، لكن رغبتها بالبقاء والتقدم فرضت عليها شكلا من أشكال الوحدة، الاقتصادية، وحتى السياسية، بذريعة وجود مصالح تدفعها إلى ذلك في عالم يقولون إنه يقوم على المصالح لا المبادئ.
٣- في الوحدة العربية تجتمع المبادئ والمصالح معاً، فكل ما نحمل من عقائد وقيم وروابط تاريخية ومشاعر إنسانية يدفعنا نحو الوحدة بعيداً عن التشرذم والتناحر والانعزال، كما أن كل نظرة موضوعية إلى الوطن العربي، مساحة وموقعاً وموارد، تظهر أن قيام أي شكل من أشكال الوحدة العربية أمر تفرضه مصالح الوطن الكبير كما مصلحة كل قطر من أقطاره، الكبير منها والصغير، الغني منها والفقير، حيث تتكامل عناصر الإنتاج مع شروط التنمية داخل وطننا العربي الكبير كما لا تتكامل في أي وحدة قائمة اليوم في العالم.
٤- بالمقابل فأن فعالية هذه العناصر تتعطل، وتتشوه عمليات التنمية، إذا لم تتوافر للأمة أشكال الوحدة والتكامل بين هذه الأقطار التي يمتلك بعضها الرساميل أو المواد الخام من دون أن يمتلك اليد العاملة أو الخبرة ناهيك بالسوق الواسعة، فيما يمتلك الآخر اليد العاملة أو الخبرة ولا يمتلك الرساميل والمواد الخام، بل لا يمتلك أي قطر بمفرده السوق الواسعة التي باتت ضرورية لأي تنمية حقيقية تقوم على الانتاج الفعلي بكل مجالاته.
إن نظرة سريعة إلى واقع التنمية العربية نجد ان أزمتها تطوق كل أقطار الأمة سواء الغني منها، المهدد دائماً بمصادرة ثرواته من قوى الهيمنة، أو الفقير منها المتخبط بالفقر والبطالة والهجرة، بل نجد أن لا حل جذرياً لهذه الأزمة إلا بأشكال متعددة من التكامل الاقتصادي وصولاً إلى الوحدة الاقتصادية العربية.
٥- وما ينطبق على التنمية المستقلة ينطبق أيضاً على الاستقلال الوطني والأمن القومي للأمة، كما لأقطارها، فلقد أثبتت الأحداث والتطورات كلها ان ما نالته أقطارنا العربية من استقلال في العقود الماضية بقي استقلالا منقوصاً ومنتهكاً على الدوام من قوى خارجية تتفوق علينا في موازين القوى، بدءاً من اغتصاب كامل للأرض كما في فلسطين، وصولاً إلى أراض عربية محتلة أو مسلوبة من أقصى المغرب العربي إلى أقصى المشرق، ناهيك عما نشهده حاليا من حروب وقواعد أجنبية وتدخلات خارجية مباشرة في العديد من اقطار الامة.
* الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي
.