عن الاستراتيجية الإسرائيلية في «النكبة المستمرة»
 تاريخ النشر : الجمعة ٨ يونيو ٢٠١٢
بقلم: د.أسعد عبدالرحمن
تقوم فكرة «النكبة» في الأساس على مقارفتي سلب الأرض وطرد المواطنين الفلسطينيين، سواء كما حدث في ١٩٤٨ أو ١٩٦٧، عبر «ترانسفير» إرهابي واضح، أو ما بات يسمى اليوم «ترانسفير ناعم» من خلال تطبيق قوانين عنصرية فاشية تدريجية ضاغطة هدفها إجبار الفلسطينيين على مغادرة بلادهم. والكيان الصهيوني الدولة الدخيلة، يسعى بوسائل عديدة إلى ذلك الهدف بسياسات وقوانين تتلخص في: «أبارتايد» عنصري/ احلالي/ استعماري/ «استيطاني». والمقصود هنا، أن النكبة لم تحدث مرتين (١٩٤٨ و١٩٦٧) بل هي سياسة مستمرة تتجلى في فكر اليمين الإسرائيلي المتطرف.
في الجانب الآخر من المعادلة، مازال أكثر من ٥ ملايين فلسطيني منزرعين في أرضهم التاريخية في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة ومدن وبلدات وقرى داخل ما يسمى «الخط الأخضر». وتؤكد الأرقام حقيقة هذا الأمر. فقد بلغ عدد الفلسطينيين في العالم مع نهاية ٢٠١١، حوالي ١١,٢ مليون نسمة، منهم ٤,٢ ملايين في فلسطين الـ ٦٧، و١,٣٧ مليون في فلسطين ٤٨، والباقون في الشتات فيما كان العدد الاجمالي ١,٣٧ مليون نسمة في ١٩٤٨، وهذا يعني أن عدد الفلسطينيين في العالم قد تضاعف عدة مرات منذ النكبة.
بالمقابل، تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن عدد المستعمرات/ المستوطنات في نهاية عام ٢٠١١ في الضفة بلغ ٤٧٤ موقعا. أما عدد المستعمرين بلغ (٥١٨٩٧٤) نهاية .٢٠١٠ ويتضح من البيانات أن ٥٠,٦% من المستعمرين يسكنون في محافظة القدس حيث بلغ عـددهم حوالي (٢٦٢٤٩٣) مستعمرا منهم (١٩٦١٧٨) في القدس الشرقية، وتشكل نسبتهم إلى الفلسطينيين في الضفة حوالي ٢٠ مستعمرا مقابل كل ١٠٠ فلسطيني، في حين بلغت أعلاها في محافظة القدس حوالي ٦٨ مستعمرا مقابل كل ١٠٠ فلسطيني، الأمر الذي يؤشر إلى حجم استهداف القدس.
تتجسد استراتيجية «النكبة المستمرة»، إسرائيليا، من خلال مصادرة أراض، قمع، تحريض عنصري، مناهج تعليم تلغي الآخر (أي الفلسطيني والعربي)، أحداث وممارسات عنصرية (أفرادا وجماعات) بل أيضا من قبل الشرطة الإسرائيلية نفسها، متواكبة مع نعوت وألقاب ضد الفلسطينيين من نوع: «قنبلة موقوتة»، «طابور خامس»، «الغرباء»، «خطر استراتيجي»، «ارهابيون»، «متخلفون»، «غير مخلصين ولا موالين للدولة»، إضافة إلى «فتاوى» دينية يهودية تحلل عقابهم وتسعى لتهميشهم، مع قضاء متحيز، وقوانين عنصرية في الكنيست من نوع: «المواطنة مقابل الولاء»، «قانون النكبة»، «التحريض»، «لجان القبول»، «ربط حق العمل بأداء قسم الولاء»، «طرد المرشدين السياحيين الفلسطينيين»، وأخيرا وليس آخرا نظام «أبارتايد» على أرض الواقع.. والمحصلة فاشية عنصرية غير معهودة في التاريخ. وفي السياق، من المتوقع أن يصل طول جدار الفصل العنصري، بناء على بيانات «وزارة الدولة لشؤون الجدار والاستيطان»، نحو ٧٥٧ كم يمر منها ما نسبته ٩٢% داخل أراضي الضفة. وتشير التقديرات إلى أن مساحة الأراضي الفلسطينية المعزولة والمحاصرة بين الجدار وما يسمى «الخط الأخضر» بلغت حوالي ٧٣٣ كم٢ أي حوالي ١٣% من مساحة الضفة، منها حوالي ٣٤٨كم٢ أراض زراعية، و١١٠كم٢ مستغلة كمستعمرات وقواعد عسكرية، و٢٥٠كم٢ اعتبرتها إسرائيل غابات ومناطق مفتوحة، فيما يعزل الجدار نهائيا حوالي ٥٣ تجمعاً يسكنها ما يزيد على ثلاثمائة ألف نسمة، وتتركز أغلب التجمعات في القدس بواقع ٢٧ تجمعا يسكنها ما يزيد على ربع مليون نسمة. وبالإضافة إلى ذلك، يحاصر الجدار ١٦٥ تجمعا سكانيا يقطنها ما يزيد على نصف مليون نسمة. وفي غور الأردن، الذي تشكل مساحته ما نسبته ٢٩% من إجمالي الضفة، تسيطر اسرائيل على اكثر من ٩٠% من أراضيه. في المحصلة، يشكل اليهود ما نسبته ٥٢ من مجموع السكان ويستغلون أكثر من ٨٥% من المساحة الكلية للأراضي، بينما تبلغ نسبة الفلسطينيين ٤٨% من مجموع السكان ويستغلون أقل من ١٥% من مساحة الأرض!
الآن، ومع مرور ٦٤ عاماً على النكبة، لم تحقق الدولة الصهيونية أهدافها بطرد الشعب الفلسطيني وصولا إلى دولة يهودية خالصة. فرغم ارتكاب العصابات الصهيونية (٤٤) مجزرة في ١٩٤٨ بدعم بريطاني مطلق، الأمر الذي أدى إلى طرد )٨٥٠) ألف فلسطيني من أرضهم حتى الخامس عشر من مايو من العام ذاته، فإن هؤلاء اللاجئين ينتمون إلى (٥٣١) مدينة وقرية فلسطينية، بل إن عددهم بلغ، في بداية العام الحالي، نحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني، منهم نحو خمسة ملايين لاجئ مسجلين في سجلات الأونروا. وفي هذا السياق، يقول الباحث المختص (نبيل السهلي): «وعلى الرغم من بعض النجاحات في الاستراتيجية الإسرائيلية وخاصة في شقها السكاني، فإن الهاجس الديموغرافي سيكون سيد الموقف في قادمات الأيام. فقد أكد الجهاز الإحصائي الفلسطيني أن عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية بلغ حوالي ٥,٦ ملايين مع بداية ٢٠١٢، في حين بلغ عدد اليهود ٥,٩ ملايين بناء على تقديرات الجهاز الإحصائي الإسرائيلي. وتبعاً لمعدلات النمو السكاني السائدة في ٢٠١٢ بين الفلسطينيين واليهود في إسرائيل، سيتساوى عدد السكان الفلسطينيين واليهود في نهاية ٢٠١٥، حيث سيبلغ ما يقارب ٦,٣ ملايين، وذلك إذا بقيت معدلات النمو السائدة حاليا. وستصبح نسبة السكان اليهود حوالي ٤٨,٧% من مجموع السكان في فلسطين التاريخية بحلول نهاية ٢٠٢٠، حيث سيصل عددهم إلى نحو ٦,٨ ملايين يهودي مقابل ٧,٢ ملايين فلسطيني. وفي ٢٠٣٠، سيصل مجموع اليهود إلى ٧,٥ ملايين في حين سيصل مجموع العرب الفلسطينيين إلى نحو ١٠,٢ ملايين عربي فلسطيني في داخل فلسطين التاريخية يمثلون نحو ٥٠% من مجموع الشعب الفلسطيني في العام المذكور والمقدر بنحو ٢٠,٤ مليون عربي فلسطيني».
وبناء عليه، ورغم أن النكبة هي من أعظم خطايا الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني على امتداد التاريخ الإنساني، فإننا مازلنا نلمس في سياسات حكومات إسرائيل المتعاقبة، وبوضوح شديد، وجود خطط مبرمجة ومعلنة لاستمرار نهج وفكر «النكبة المستمرة» لإقامة إسرائيل يهودية خالصة مائة في المائة، مع إصرار عنيد من قبل الشعب الفلسطيني على استعادة وطنه التاريخي رغم السياسات الإسرائيلية التي تستهدف تهويد البشر والحجر والشجر علاوة على الثقافة والتاريخ.
.