الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٩٥ - الجمعة ٨ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١٨ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


أقلّهن مهرًا





هو عنوان حملة اجتماعية نبيلة ومبادرة كريمة تستحق المتابعة والاحتذاء حذوها؛ نظمتها مؤخراً محاكم دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة حيث قامت بتكريم المتزوجين بأقل مهر خلال العام الماضي كنوع من الدعوة أو التشجيع والدفع بضرورة تخفيف المهور وتيسير سبل الزواج وعدم المبالغة في الطلبات إلى الحد الذي يجعل -أو هو جعل- من الزواج أمراً متعسراً ومشروعاً شاقاً يحتاج إلى أموال وقروض تبعد هاجس الزواج عن الشباب أو في أحسن الأحوال تؤخر الشروع فيه ويخسر بالتالي المجتمع فوائد الزواج المبكر أو يُلقي بالشاب في أتون الانحراف الذي صارت أبوابه مفتوحة وميسرة بأقل أقل التكاليف!!

والمهر أو الصداق هو حق مالي للمرأة على الرجل الذي يتزوجها بعقد زواج صحيح، ليس لأبيها ولا لأقرب الناس إليها أن يأخذ شيئًا من مهرها إلا بإذنها ورضاها. وقد قال تعالى في كتابه العظيم «وآتوا النساء صدقاتهن نحلة» أي آتوا النساء مهورهن عطاءً مفروضًا. ولم يضع الشرع حدٌّا لأقل المهر وأكثره، والمعيار في ذلك قدرة كل رجل واستطاعته. لكن الرسول صلى الله عليه وسلّم حثّ على تسهيله، فقال عليه الصلاة والسلام: «خير الصداق أيسره». وكانت المهور وعموم تكاليف الزواج في السابق لا تُذكر، ولا تشكّل عائقاً أو مانعاً من الزواج كما هو الحال الآن حيث ارتفعت تلك التكاليف وتعدّت حدود الاستطاعة، ولم تقف عند المبالغة في المهور فحسب وإنما جاوزتها إلى مظاهر وطقوس واحتفالات واشتراطات أخرى، غالبها كمالية، وغالبها قاصمة للظهر وتجعل العرسان الجدد يبدأون حياتهم معسرين، تلاحقهم -هم أو أولياء أمورهم- الديون والقروض، ويترتب عليها أيضاً حالات طلاق متزايدة أو تأخير الإنجاب أو تحديده أو تنظيمه لقلّة ذات اليد واليسر المادي في ظل ظروف معيشية صعبة، كلنا يعرفها ويشتكي من ضنكها.

نحتاج في عموم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وعلى الأخص في البحرين، في ظل كثرة من التطورات الخطيرة؛ إلى أن يسعى الجميع -ليست الدولة فقط- إلى إحداث تغييرات اجتماعية كبيرة من حيث إعادة ترتيب بيوتنا ومقتضيات النشأة والتربية والثقافة وطرق المعيشة والسلوك العام ومراجعة سلّم الاهتمامات فذلك ربما يكون أولى من التطلعات السياسية. وذلك لما للتغييرات الاجتماعية والديمغرافية من آثار على المدى البعيد، تتعلق بالهوية والانتماء، نخشى أن نقول إنها لم تكن في السابق ضمن وارد التفكير و(الحسبان).

إن تغيير النمط العام في مسائل الزواج، من مهور وتكاليف باهظة مسؤولية مجتمعية تحتاج إلى تضحيات ومبادرات تعيد الزواج إلى سكّته الصحيحة. وأحسب أن ما قامت به -مشكورة- محاكم دبي في حملتها (أقلّهن مهراً) هي مبادرة في ذلك الطريق، وقد كان من بين المكرّمين من كان مهر زواجه درهماً واحداً وكان أيضاً من بين المكرّمين من كان المهر كفالة يتيم وهكذا من أمثلة نتمنى تقليدها فذلك أدعى حتى إلى البركة في الزواج وتأسيس بيوت أسرية مستقرة.ولابد لنا هنا أن نشكر الجمعيات والصناديق الخيرية والاجتماعية التي تبذل قصارى جهدها في تقديم المساعدات للراغبين في الزواج وتنظم احتفالات للزواج الجماعي ونقدّر عالياً لجميع المخلصين من الوجهاء والأعيان الذين يقدّمون كل الرعاية والدعم لهذا الشأن الاجتماعي المهم، وعلى رأسهم معالي الوالد الفاضل خليفة بن أحمد الظهراني رئيس مجلس النواب الذي رعى ودعم حتى الآن أربعة عشر احتفالاً للزواج الجماعي، أنشأت ما يقارب (١٣٠٠) أسرة. ونأمل أن يتبنى أهل الخير والإحسان مبادرة دبي ذاتها، حملة تكريم (أقلّهن مهراً).

سانحة:

قال تعالى: «وإِذا أَنْعَمنا على الإنسانِ أعْرَضَ ونأى بِجانِبِهِ، وإِذا مَسَّهُ الشَّرلا كانَ يَئوسًا، قلْ كلٌّ يَعْمَلُ على شاكِلَتِهِ فرَبلاكم أعْلَمُ بِمَن هو أهدى سَبِيلاء



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة