«القاعدة» تؤجج الساحة اليمنية وأمريكا ترفض التدخل العسكري
 تاريخ النشر : الأربعاء ١٣ يونيو ٢٠١٢
صنعاء - من: أورينت برس
لا تكاد الاحداث اليمنية تغيب بعض الوقت عن الساحة الإعلامية حتى تعود اقوى من السابق، لتستعاد الهواجس والمخاوف من سقوط البلاد في قبضة القاعدة والمتشددين الذين يعتزمون تحويلها إلى مقر لهم بغض النظر عن الدعم الدولي لصنعاء، وما التفجير الانتحاري الهائل الذي ضرب العاصمة اليمنية اخيرا إلا دليل اضافي على تصعيد المعركة التي يشنها فرع القاعدة هناك للسيطرة على الدولة المستضعفة، ولدفع الولايات المتحدة إلى خوض لعبة نهائية طموح ومميتة في آن.
وينظر مسؤولون أمنيون أمريكيون وغربيون إلى اليمن منذ فترة طويلة باعتباره محور حربهم ضد التطرف كما ينظرون إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ـ الفرع المحلي لتنظيم القاعدة باعتباره أخطر جماعة جهادية تتآمر لشن هجمات ضد مصالحهم، وإذ يقلل صانعو السياسة الأمريكيون من شأن الحديث عن نشر قوات اجنبية في اليمن إلا انه مع نشر عدة مئات من المستشارين العسكريين يبدو ان واشنطن وحلفاءها يستدرجون بشكل متزايد إلى هذا البلد من قبل القاعدة.
اورينت برس أعدت التقرير التالي:
يمثل اليمن نقطة الضعف لدول عدة اجنبية وعربية حيث القاعدة تضرب بجذورها في بلد يعاني أزمة اقتصادية عميقة وندرة في الموارد ويشهد اضطرابات سياسية وسكانية واجتماعية مستمرة، ويشكل الاعتداء الذي شنته القاعدة على العاصمة اليمنية صنعاء دلالة واضحة على أن فرع التنظيم في شبه الجزيرة العربية يزداد خطورة، كونه يستفيد من ضعف الدولة اليمنية. وإذ تمارس الولايات المتحدة الضغوط على هذه الشبكة الإرهابية بشكل غير مسبوق عبر تكثيف حملات الطائرات بلا طيار ونشر الخبراء العسكريين ودعم الحكومة اليمنية الجديدة، لكن لاتزال القاعدة في شبه الجزيرة العربية مصممة على متابعة مخططها وهو استهداف الولايات المتحدة وجرها إلى مستنقع آخر في الشرق الأوسط.
تفجير كبير
كان التفجير الانتحاري الذي هز صنعاء اخيرا أخطر هجوم نفذته القاعدة في شبه الجزيرة العربية على الإطلاق. وقع الاعتداء فيما كانت الحكومة تحاول استعادة الأرض التي فقدتها في جنوب اليمن بعد أن استولت عليها القاعدة منذ أن وصلت رياح الربيع العربي إلى اليمن قبل سنة. تستعمل القاعدة في شبه الجزيرة العربية اسما ظاهريا آخر هو «أنصار الشريعة»، وقد أنشأت هذه الجماعة في السنة الماضية سبع إمارات في جنوب اليمن، حيث تستطيع تجنيد المقاتلين والانتحاريين وتدريبهم وتحضيرهم لتنفيذ اعتداءات محلية وخارجية، حتى ان «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» تسيطر على بعض الأحياء في عدن التي تضم أكبر مدينة وميناء في الجنوب.
مساعدات سعودية وأمريكية
يحاول الرئيس الامريكي باراك أوباما تقديم كل الدعم لتحسين الوضع في اليمن كي تتمكن القوات اليمنية من إعاقة نشاطات القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتفكيك شبكتها وتدميرها. إنها استراتيجية طموح بالفعل.
لكن لتعزيز فرص نجاح خطة الولايات المتحدة في اليمن، لابد من وجود تعاون وثيق مع المملكة العربية السعودية، التي ساعدت وتساعد اليمن منذ وقت طويل. ولإعادة بناء حكوم مركزية مستقرة، لابد من توافر كميات هائلة من المساعدات. في هذا السياق، تعهد السعوديون بتقديم مساعدات جديدة بقيمة٣,٢ مليارات دولار، وهو دليل اضافي على رغبة الرياض الصادقة في تطهير اليمن من التطرف ومساعدة هذا البلد على النهوض من جديد.
إلى ذلك، حققت العملية الاستخباراتية الأمريكية السعودية المشتركة التي أحبطت أحدث خطة أعدتها القاعدة لتفجير طائرة كانت متوجهة إلى الولايات المتحدة نجاحا لافتا في المعركة القائمة منذ ١٢ سنة ضد القاعدة في اليمن. كذلك، أعلنت القاعدة في شبه الجزيرة العربية مقتل العقل المدبر وراء مخطط تفجير الطائرة، فهد القصع العولقي، وهو أحد مخططي اعتداءات عام ٢٠٠٠ ضد السفينة «يو اس اس كول» الحربية الامريكية في عدن وخليفة أنور العولقي المولود في نيو مكسيكو الذي قتل بدوره خلال هجوم بطائرة بلا طيار في السنة الماضية.
تصميم القاعدة
لكن هذه النجاحات لا تخفي واقع أن القاعدة في شبه الجزيرة العربية لاتزال مصممة على تنفيذ اعتداءات في الولايات المتحدة، فقد حاولت هذه الجماعة تفجير طائرة في الأجواء الأمريكية ثلاث مرات خلال ثلاث سنوات في يوم عيد الميلاد من عام ٢٠٠٩، وأكتوبر ٢٠١٠، وأخيرا مايو .٢٠١٢ بما أن صانع القنبلة ابراهيم العسيري الذي ينتج هذه الأسلحة لايزال على قيد الحياة، وقد درب مجموعة من المجندين الاحتياطيين في مخيماته، يمكن أن نفترض أنهم سيعيدون المحاولة.
كما تتباهى القاعدة في شبه الجزيرة العربية بأنها ألحقت الأذى بالولايات المتحدة أكثر من مرة في السابق، كما أنها تدعي أن أنور العولقي كان مصدر الإلهام الحقيقي لشن الاعتداء في قاعدة فورت هود في عام ٢٠٠٩، وقد اعتمدت القاعدة في شبه الجزيرة العربية استراتيجية طموحا، وأكدت في شريط مصور لها أنها تأمل أن يؤدي اعتداء ناجح من الجو على مدينة أمريكية إلى سقوط عدد كبير من الضحايا واستفزاز الولايات المتحدة ودفعها إلى إرسال قواتها إلى قواعدها في اليمن. إذًا تريد القاعدة في شبه الجزيرة العربية جر الولايات المتحدة إلى ما تسميه حرب الاستنزاف مثلما حصل في أفغانستان والعراق من أجل استنزاف الموارد الأمريكية وإضعاف العزيمة الأمريكية. وفق منطق القاعدة في شبه الجزيرة العربية، سيكون اليمن الفخ الأخير الذي سيهزم الولايات المتحدة، تماما كما هزمت الحرب في أفغانستان الاتحاد السوفيتي خلال الثمانينيات. تذكر القاعدة في شبه الجزيرة العربية أن الأراضي الوعرة في اليمن والقبائل القوية لطالما اسهمتا في هزم الجيوش الأجنبية، بدءا من بلاد الفرس القديمة وصولا إلى المملكة المتحدة خلال الستينيات.
الجهاد الاقتصادي
اذا لم تتمكن القاعدة في شبه الجزيرة العربية من استفزاز الولايات المتحدة وإيقاعها في الفخ الأخير، تأمل هذه الجماعة أن تجبر عملياتها الولايات المتحدة وحلفاءها على تخصيص موارد إضافية لمواجهة تهديدها بتدابير أمنية مكلفة، وقد أعلنت القاعدة في شبه الجزيرة العربية أن تصنيع القنابل التي أرسلتها لتنفجر فوق شيكاغو التي تلقب بأنها مدينة أوباما في عام ٢٠١٠ كلف ٤٢٠٠ دولار فقط، أما التدابير المضادة لرصد تلك القنابل، فقد كلفت مليارات الدولارات من أجل توزيعها في المطارات حول العالم. إنها استراتيجية متشعبة تهدف إلى هزم الولايات المتحدة رغم الكلفة العالية التي يتم جمعها من موارد عدة ليس اقلها الاتجار في المخدرات والسلاح.
تأمل القاعدة في شبه الجزيرة العربية أيضا أن تهاجم إسرائيل إيران لإغراق الشرق الأوسط في حرب إقليمية شاملة يمكن أن تستغلها لمصلحتها على أمل أن تتمكن يوما من إنشاء إمارة جهادية في شبه الجزيرة العربية وفرض سيطرتها على الثروات الكبرى في المنطقة. لكن قدرات القاعدة في شبه الجزيرة العربية لا تسمح بتحقيق هذه الطموحات كلها. مع ذلك، ستتابع الجماعة محاولاتها في هذا المجال، فخلال جنازة القصع هددت القاعدة الولايات المتحدة وأعلنت «ان الحرب بيننا لم تنته بعد».
الموقف الامريكي
من المؤكد أنه لا يوجد كثير من الحماسة لدى واشنطن للقيام بحملة عسكرية تقليدية كبيرة في اليمن لمسح القاعدة بينما لم يتبق سوى أقل من خمسة أشهر على انتخابات الرئاسة إضافة إلى الانهاك العام من حروب دائرة منذ فترة طويلة في أفغانستان والعراق.
لكن اليمن مهيأ فيما يبدو ليكون مسرحا لنوع من التدخل الأمريكي السري إلى حد كبير الذي قلما يكون موضوعا لنقاش علني والذي يعتقد كثيرون أنه سيكون نموذجا للتدخل في الصراعات في السنوات القادمة.. بحسب الخبراء فإنه بعد العراق وأفغانستان هناك إدراك أن أنماط التدخل بقوات كبيرة ومدججة بالسلاح لم يعد مطروحا، وما قد نشاهده مستقبلا هو استراتيجية مختلفة تماما تعتمد على الطائرات بدون طيار وإرسال المستشارين وتدعيم القوات المحلية اليمنية وهذا ما يحدث حاليا.
.
مقالات أخرى...
- ماذا بعد نتائج الجولة الأولى لـ«الانتخابات الرئاسية»؟ - (13 يونيو 2012)
- هل تقلب مجزرة «الحولة» الطاولة على رأس الأسد؟ - (8 يونيو 2012)
- ماذا بقي من فلسطين بعد ٤٥ سنة من نكسة ١٩٦٧؟ - (4 يونيو 2012)
- هيمنة إيرانية سياسية واقتصادية على بغداد في ظل حكومة المالكي - (2 يونيو 2012)
- هل هي بداية تصعيد.. سوريا تتهم لبنان بأنه وكر للإرهابيين؟ - (28 مايو 2012)
- في انتظار رئيس مصر القادم «الخطوط الحمراء الأمريكية» عصا هنا وجزرة هناك - (28 مايو 2012)
- حرب أدمغة بين مهندسي الصواريخ في إيران وإسرائيل - (26 مايو 2012)
- في أوسع ائتلاف حكومي تشهده تل أبيبالتحول والانتهازية وفقدان الثقة تحكم الموقف في إسرائيل - (26 مايو 2012)
- هل يذكي النفط حروب المستقبل؟ - (25 مايو 2012)