قراءة تاريخية في التحولات السياسية في أوروبا الشرقية والعالم العربي
 تاريخ النشر : الجمعة ٢٢ يونيو ٢٠١٢
بقلم: السيد حيدر رضي
شهد العالم عبر القرون والعقود المتعاقبة، الكثير من التحولات السياسية والديمقراطية، وذلك عبر نضال كبير لشعوب العالم، من أجل إرساء أسس دعائم الديمقراطية، والحكم الرشيد.
الكاتب والمفكر (آدم بروزورسكي)، في كتابه (الديمقراطية والأسواق)، كان قد رصد عدة تحولات في العالم في عصره الحديث.
الموجة الأولى بدأت عام ١٨٢٠م، واستمرت قرابة قرن كامل من الزمان (حتى عام ١٩٢٠)، وخلال هذه الموجة تحولت إلى الديمقراطية ٢٩ ديكتاتورية.
الموجة الثانية بدأت عام ١٩٤٥، ولغاية ١٩٦٢، وخلال هذه المرحلة كان عدد الديمقراطيات قد وصل ٣٦ ديمقراطية.
الموجة الثالثة - التي مازالت مستمرة -فقد بدأت عام ١٩٧٤، والتي أطاحت بالديكتاتوريات في كل من (اسبانيا والبرتغال واليونان)، ثم تحول المد في منتصف الثمانينيات إلى أمريكا اللاتينية، وبنهاية الثمانينيات، كان المد قد تحول إلى أوروبا الشرقية وافريقيا، وكان آخر تلك الموجات بنهاية التسعينيات حيث أطيح برأس الديكتاتورية، الاتحاد ألسوفيتي. (الديمقراطية والأسواق، ترجمة وعرض عوني عزالدين، مجلة العمل العربي، ص ٢٢٧ -٢٢٨).
ويرى المؤلف انه لا سبيل للعنف لإرساء الديمقراطية، ومع تشدده الكبير إليها، وانحيازه لها بشكل كامل، الا انه لا يؤيد أساليب التصعيد والعنف، ولا يقرها، وينبذها بشكل تام (المصدر نفسه، ص ٢٣٠).
ويمكن ان نعزو التحول السياسي الديمقراطي في أوروبا الشرقية إلى عوامل عدة أهمها بطبيعة الحال، حالة الجوار، بنظيراتها من دول أوروبا الغربية، الأمر الذي ساعد على انتشار مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وما إلى ذلك، وما يتميز به هذا التحول انه قام على أسس قوية من المعارضة المنظمة وجماعات الضغط، وإصلاحات داخل الأحزاب الحاكمة، إلى جانب ما يسمى (الثورة الانتخابية للتغيير)، كلها أمور قد ساعدت وأفضت إلى مرحلة الديمقراطية (التحول الديمقراطي بين أوروبا الشرقية والعالم العربي، د. هالة مصطفى).
المتفحص في عمليات التحول السياسي الديمقراطي في أوروبا الشرقية، يرى بوضوح انه ثمة عوامل ومسببات أدت إلى هذا التحول ولعل من أبرزها واهمها:
-المشكلات والحوادث السياسية التي عاشتها أوروبا الشرقية وبخاصة الصراعات العرقية، وانتهاكات حقوق الإنسان وغيرها من القضايا التي تمس حالة الاستقرار السياسي.
-المعاناة للنظام الاستبدادي وتأثير ذلك على واقع الحال، وحصول الرغبة الجماهيرية للتغيير.
-الأزمات الاقتصادية التي عانى منها الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية، في ظل حكم الحزب الواحد، والأنظمة الدكتاتورية العسكرية، وما رافق ذلك من فشل ذريع في النهوض الاقتصادي والتنمية الاقتصادية، و فشل الحكومات المتعاقبة، في تبني استراتيجيات لتحقيق نمو اقتصادي. (التجربة الانتخابية والتحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية، حسين بهاز، ص ١٣٥).
في سياق بحثنا هذا، هناك أسئلة تطرح في هذا المقام، هل تعد التحولات الديمقراطية الأخيرة في العالم بداية النهاية للأنظمة الشمولية؟ وهل شكلت تلك نقطة بداية لتحولات جديدة في أقاليم أخرى من العالم؟ وكيف استفاد العالم العربي من تلك التحولات؟
في تقديرنا ان تلك التغييرات شيء طبيعي، إذا نظرنا الى الظروف الموضوعية المهيأة لها، وبخاصة الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، التي عايشتها تلك الأقاليم عبر سنوات وعقود عدة، إن انهيار قوة عظمى، ورأس سياسي كبير، مثّل صدمة سياسية كبيرة للمجتمعات والشعوب، وأعطى حماسة كبيرة لدى الكثيرين لبدء مرحلة جديدة للتغيير.
من منظور آخر، فقد مثلت ثورات الشارع في العالم العربي، نقطة تحول كبيرة، وبخاصة بعد انهيار الأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية، والأنظمة الدكتاتورية في أمريكا اللاتينية، إذ رأى كثيرون أن العالم العربي، سيكون بمنأى عن التحول إلى الديمقراطية، ولكن شاءت الظروف ان تكون معاكسة لتقديرات البعض.
الأمر متحتم، لاسباب قد يكون منها، حالة الوعي السياسي والثقافي لدى الشعوب العربية، إلى جانب تغير ميزان القوى، فأصبحت بعض الأنظمة العربية، وسط التغيرات الدولية، والمتغيرات العالمية تبدو أنظمة متأخرة جدا، (أزمة الأنظمة السلطوية العربية، عدي الهواري) .
لقد داهم (الربيع العربي) الأنظمة والحكومات على حين غفلة، وهذا متوقع جدا حيث ان مسار الديمقراطية هو منحنى (عالمي)، قد تصل تأثيراته إلى الوطن العربي آنيا أو مستقبليا.
على ان ثورات الربيع العربي يمكن القول إنها جددت الحيوية لمسيرة الديمقراطية، وبينت ان النضال من أجل الحقوق المشروعة، ليس صنعا غربيا، انما حاجة طبيعية في التاريخ الإنساني البشري كما أن الربيع العربي، قد وضع الوطن العربي، في أزهى مرتبة وأحسن صورة، في التطور الديمقراطي الحضاري للبشرية، بعدما كان مهمشا وينظر إليه بشيء من التأخر والتخلف، (الربيع العربي، من منظور عالمي، بول سالم).
بيد إن هذه الثورات، قد حققت كثيرا من المكاسب، في العودة إلى الديمقراطية الحقيقية، وتصحيح المسار الديمقراطي بما يخلف أجواء جديدة نظيفة، للحكم وللإدارة، وتحقيق طموحات الشعوب نحو العزة والرفاهية والعيش الكريم.
إن خيار الديمقراطية الآن، هو خيار استراتيجي، وإن المستقبل، هو مستقبل الديمقراطية، وهذا ما يتوجب على الجميع أن يدركه جيدا.
وطموحات الشعوب نحو التغيير، ونحو التصحيح، بات حقيقة ثابتة، لا يمكن تجاهلها وإنكارها، وقد كنا ذكرنا المعطيات والمسببات لذلك، في مقدمة وثنايا بحثنا هذا.
وبفضل حنكة وحكمة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المفدى (حفظه الله ورعاه)، فقد كان موعد التحول الديمقراطي في مملكتنا الزاهرة العامرة مبكرا جدا، بفضل مشروع جلالته الإصلاحي، وعزيمته التصحيحية الكبيرة، وروحه التجديدية التطويرية، الذي تمخض عن عودة الحياة الديمقراطية، وإرساء دعائمها، عبر مجلس للنواب منتخب، وآخر للشورى معين، يمارسان اختصاص السلطة التشريعية، وتكون مهامهما التشريع والرقابة بكامل الصلاحية، هذا، إلى جانب تعزيز حقوق الإنسان، وإنشاء المؤسسات الدستورية المختلفة، من محكمة دستورية ونقابات عمالية، ونيابة عامة، وإنشاء الجمعيات السياسية المختلفة، التي كان لها صدى كبير في انعاش الحيوية الديمقراطية، عبر أطروحاتها السياسية المختلفة، وما إوجدته من اجواء التنافسية الديمقراطية، وإثراء الحركة الديمقراطية.
إن إنشاء الجمعيات السياسية في البحرين، تجربة فريدة من نوعها، في منطقة الخليج العربي، والجزيرة العربية، وهي تعادل نوعا ما، الأحزاب السياسية في الدول الديمقراطية المتقدمة.
تجربة الجمعيات السياسية، ساهمت بقدر كبير، في انطلاق روح الحريات العامة، وشكلت رافدا كبيرا لحريات التعبير، وخلقت اجواء جديدة لثقافة الديمقراطية.
لقد دخل جميع الجمعيات السياسية المعترك النيابي، وكان لها الدور الكبيرفي إثراء العمل البرلماني بما تطرحه من برامج عمل، ورؤى وأفكار واستراتيجيات وخطط وبمقترحات قوانين، وغيرها، من ضروب آليات العمل النيابي.
حقا، ان المسيرة الديمقراطية في البحرين لهي تحول كبير يجب الوقوف عنده بإمعان، ويجب أيضا من جانب آخر الإشادة به، وبما تحقق على ارض الواقع.
ان التجربة الديمقراطية الآن، دخلت مرحلة (العشر سنوات) الثانية، وهي فترة ليست هينة على كل حال، هي تجربة غنية جدا بالحصاد الديمقراطي، وتفعيل المؤسسات الدستورية وانتهاج الحكم الرشيد القائم على العدل والمساواة والحريات، وسيادة القانون والنظام، وكفالة حقوق الإنسان.
على انه ومع مسيرة عجلة الديمقراطية فان عزيمة الإصلاح لدى القيادة السياسية، مازالت مستمرة، وهذا ما يحدونا الأمل، إن شاء الله تعالى، لمزيد من الإصلاحات القادمة، في ظل ما ننعم به من خير، عبر المشروع الإصلاحي الكبير للملك المفدى، هذا، والله الموفق، لما فيه خير وسؤدد لوطننا ولشعبنا.
.