إسرائيل وهدم منازل الفلسطينيين: المعنى العميق
 تاريخ النشر : الجمعة ٢٢ يونيو ٢٠١٢
بقلم: د.أسعد عبدالرحمن
هدم منازل الفلسطينيين هو أحد أسوأ العقوبات الجماعية التي تنتهجها الدولة الصهيونية في فلسطين التاريخية، تحت ذرائع كثيرة تغلب عليها الحجج الأمنية الواهية. وقد انتهجت الدولة الصهيونية عقب احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة في ١٩٦٧ سياسة هدم المنازل الفلسطينية في القدس وتهجير الفلسطينيين من أماكن سكناهم حيث كانت أولى هجماتها الشرسة بعد ١٩٦٧ في حي المغاربة حين قامت بهدم (١١٥) منزلا فلسطينيا لبناء حي استعماري/ «استيطاني» يهودي في المنطقة.
وفي التقرير العلمي المهم والموثق الذي أصدرته دائرة المفاوضات بمنظمة التحرير الفلسطينية مؤخرا،ئتم رصد السياسات الاسرائيلية الأحادية في القدس الشرقية المحتلة والدعم المطلوب لمواجهة سياسة التهجير للإنسان والمؤسسات من «زهرة المدائن». فقد سجل التقرير «هدم قوات الاحتلال لقرابة (٣٣٠٠) من منازل المواطنين المقدسيين منذ احتلال ١٩٦٧، من بينها عديد المواقع التاريخية والدينية، كحي باب المغاربة التاريخي في القدس القديمة، وتدمير (٤٩٩) منزلا لمقدسيين خلال السنوات الست الماضية، وهو ما يشكل ١٥% من إجمالي المنازل التي هدمت منذ ١٩٦٧».
هدم المنازل يأتي في طليعة السياسات التي تستهدف الوجود الفلسطيني في «زهرة المدائن»، ضمن عمل صهيوني متواصل لإنهاء الوجود الفلسطيني مقابل زيادة عدد المستعمرين/ «المستوطنين» وفقا للقاعدة الصهيونية «الذهبية» (أرض أكثر.. وسكان أقل)! فقد دأبت سلطات الإحتلال، منذ اليوم الأول لاحتلالها للقدس، على ممارسة وتطبيق سياسات التهجير للمواطنين في المدينة، بوسائل وطرق متعددة. وتقرير الامم المتحدة، الذي شمل القدس والضفة الغربية، أشار إلى أن «عمليات الهدم خلال ٢٠١١ زادت بنسبة تقدر بأكثر من ٨٠% عن ٢٠١٠، وأن ٩٠% من الهدم يقع في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية (ج)». وتؤكد إحصائية لمعهد الابحاث التطبيقية ؟ القدس (أريج) أن إسرائيل «قامت بهدم ما يزيد على ٦٥٠ منزلا فلسطينيا في الفترة الواقعة ما بين الاعوام ٢٠٠٠ و٢٠٠٩، فيما أخطرت بلدية الاحتلال في الفترة نفسها ما يزيد على ٤٣٠٠ منزل فلسطيني في مدينة القدس، معظمها بذريعة البناء غير المرخص». ويضيف المعهد: «باختصار، فان السياسات الاسرائيلية العنصرية فيما يتعلق بالمسكن في القدس أسفرت عن بناء أكثر من ٨٨% من المساكن للمستوطنيين الاسرائيليين في المدينة و١٢% فقط للفلسطينيين منذ عام ١٩٦٧».
المواطن المقدسي لا يملك أيا من مقومات العيش بعد هدم الاحتلال منزله. فالمنزل هو رأس المال بالنسبة إليه وضمان استقراره وراحته. لذلك، حظيت عملية تهديم المنازل الفلسطينية إسرائيليا باهتمام وإدانة مؤسسات دولية عديدة. ففي تعليقها على الحق في سكن مناسب، قالت المقرر الخاص للأمم المتحدة في الحق بالسكن (راكيل رولينك) «إن هدم المنازل يؤدي إلى تمزيق وشائج النسيج الاجتماعي، كما يؤدي بشكل خاص إلى تأثيرات نفسية خطيرة على أفراد العائلة، بمن فيهم الأطفال«. وفي هذا السياق، دعا منسق الأمم المتحدة للأعمال الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة (ماكسويل جيلارد) إسرائيل الى وضع حد فوري لعمليات تدمير المنازل في الضفة الغربية والتي شهدت زيادة كبيرة العام الماضي. وقال جيلارد( في بيان صحفي إن «إسرائيل وبصفتها قوة احتلال، تتحمل مسؤولية أساسية في حماية السكان المدنيين الفلسطينيين الخاضعين لسيطرتها وضمان كرامتهم وسلامتهم، وإن الدمار الواسع للمنازل وسبل المعيشة لا يتوافق مع تلك المسؤولية أو المبادئ الإنسانية». وأضاف: «أشار تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية حول الهدم والنزوح القسري في الأرض الفلسطينية المحتلة، إلى تدمير ما يقرب من ٦٢٢ منزلا لعائلات فلسطينية ما أرغم حوالي ١١٠٠ شخص، نصفهم من الأطفال، على الرحيل، في حين أن عشرات الآلاف الآخرين مهددون بمواجهة المصير نفسه». وأضاف أن «ألفا وخمسمائة فلسطيني طردوا وشردوا من منازلهم في الضفة الغربية والقدس عام ٢٠١١ وحده». وقال مدير الاونروا في الضفة الغربية (فيليبه سانشيز) ان «الطرد القسري للاجئين فلسطينيين وهدم منازل فلسطينية ومبان مدنية اخرى في الضفة الغربية المحتلة بما فيها شرقي القدسئيتعارض مع القانون الدولي»، مشيراً إلى أنهم «يحضون السلطات الاسرائيلية على ايجاد حل فوري لتمكين السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية من عيش حياة طبيعية مع تمتعهم بكامل حقوقهم».
من هنا، تأخذ عمليات هدم المنازل في القدس بعدا خطيرا في سياق عملية التطهير العرقي والترحيل القسري، بحيث انتقلت من عمليات الهدم الفردية للمنازل والبيوت لما يسمى بالبناء غير المرخص إلى عملية هدم وطرد وترحيل أحياء بكاملها، بدأت في (سلوان) باعتبارها، بحسب مزاعم يهودية تلمودية بالية هي (مدينة داود) حيث سلمت إخطارات وأوامر هدم لتسعين منزل مقدسي في حي البستان يقطنها أكثر من ١٥٠٠ فلسطيني، وأوامر مماثلة لخمس وخمسين عائلة فلسطينية من حي رأس خميس في شعفاط لهدم منازلها، ومن ثم اتجهت بالأوامر نفسها صوب أحياء الشيخ جرّاح وبيت حَنينا والطُور والمكبِّر وبيت صَفافا والعِيسوية وأم طوبا وصُورباهر. وفي هذا السياق، أمر المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية (يهودا فينشتاين) بتشكيل فريق خاص يدرس سياسة تنفيذ اوامر هدم المنازل الفلسطينية في القدس تمهيداً لتنفيذها فوراً، مؤكداً «رصد موازنة قدرها ٥ ملايين دولار لهذا الغرض اواخر عام ٢٠١١ من قبل الحكومة لتعجيل أوامر الهدم في القدس الشرقية»، تلاها قرار بلدية الاحتلال في القدس تشكيل فريق إسرائيلي مدعوم بقوة عسكرية لهدم مئات المنازل الفلسطينية في القدس المحتلة (التي تدعي إسرائيل بناءها من دون ترخيص من الاحتلال) بما في ذلك المنازل التي كانت قائمة قبل احتلال ١٩٦٧ او قبل قيام الدولة الصهيونية عام .١٩٤٨
ما يجرى في «زهرة المدائن» يختصر حقيقة الصراع الفلسطيني الصهيوني. فالاحتلال الإسرائيلي قائم على مزاعم توراتية بأحقية «الشعب اليهودي» في كامل أرض فلسطين، التي يسكنها «أغيار» ينبغي التخلص منهم بكل الطرق لتكون فلسطين التاريخية أرضا خالصة لليهود. فهل ترانا نحتاج إلى أدلة جديدة على حقيقة الصهيونية؟ ثم في ضوء (أو ظلام) ذلك، ماذا نحن فاعلون؟
.