الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١١ - الأحد ٢٤ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٤ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

زاوية غائمة


الإفلات من الطرشقة





سفري الى بريطانيا للدراسة صار قضية أمن دولة، ولما قال جماعة الأمن إنه لا مانع لديهم من سفري، لأنني منذ خروجي من السجن لم أمارس أي نشاط معارض للحكومة، حشر التنظيم السياسي «الأوحد».. هكذا كان نظام نميري يسمي الحزب المسمى الاتحاد الاشتراكي، يعني على المكشوف كانوا يتبجحون بأنه التنظيم السياسي الوحيد في البلاد، وبعد هذا يقولون إن أمور البلاد تساس ديمقراطيا.. المهم تم تحويل جميع المستندات المتعلقة ببعثتي الدراسية الى بريطانيا الى «أمانة المهنيين» في الاتحاد الاشتراكي، وكان على رأس تلك الأمانة مدير نفس المدرسة التي كنت أعمل بها (الخرطوم بحري الثانوية للبنين) الأستاذ عبدالله علي عبدالله رحمة الله، الذي بشرني بالسفر إلى بريطانيا، وكنت مقتنعا بأنه لو تم تحويل أوراقي إليه لوضع عليها عبارة «لا مانع» بلا تردد، ولكن كحال كل التنظيمات الحزبية الرسمية التي تتم فبركتها بعد الاستيلاء القسري على السلطة، كانت به أجهزة بيروقراطية من النوع الذي يقول عنه المصريون «عايزة جنازة تشبع فيها لطم»، أي - ولأنهم بلا مهام حقيقية، يقوم فيها شاغلو الوظائف الدنيا والوسيطة بتعقيد الأمور و«شربكتها» فقط من باب و«لَكَم تشيطن كي يقول الناس عنه تشيطنا»، كما يقول الشاعر إيليا أبو ماضي في قصيدته الرائعة «وطن النجوم»: والمرء قد ينسى المسيء المفتري والمحسنا/ ومرارة الفقر المذل/ بلى، ولذات الغنى / لكنه مهما سلا هيهات يسلو الموطنا!! طيب يا عمو إيليا: ماذا لو سلاك ونسيك الوطن عندما تتقمص الحكومة دور «الوطن»؟ تفر؟ تهرب كما فعلت انت من لبنان إلى أمريكا وكما فعلت أنا من السودان الى الخليج؟ مو هيك صاير؟

وكما قلت في مقالي السابق فقد تقاطرت على بيتي وفود المعزين بـ«طرشقة» السفر إلى لندن، وطرشق كلمة عامية سودانية تصف انفجار الشيء، فنقول البالونة طرشقت، وعندما ينفجر إطار السيارة، ونسميه في السودان «لستك» وهو تحريف للكلمة الإنجليزية «إلاستك citsale» وهو الشيء المطاطي أو القابل للمط، نقول إن اللستك طرشق، وعندما ينسحب أحد طرفي مشروع زواج نقول ان الخطوبة طرشقت، وإذا فشلت خطة ما نقول إنها طرشقت، وذات يوم جاءني من يبلغني ان عز الدين السيد يريد مقابلتي في مبنى الشركة السودانية للتأمين وإعادة التأمين التي كان مديرها العام ورئيس مجلس إدارتها، وكان عضوا قياديا في الاتحاد الاشتراكي، وإن لم تخنّي الذاكرة فقد كان رئيس «البرلمان»، وأدركت أنه بحكم القرابة علِم بأمر طرشقة بعثتي الدراسية فقرر التدخل في الأمر، وذهبت إليه في مبنى الشركة وسألني عن «الحاصل» فسردت عليه مختلف العراقيل التي واجهتها وتغلبت عليها او فشلت في التغلب عليها، وكانت صلتي بعز الدين ولا تزال قوية، منذ أن كان مدرّسا إلى أن صار وزيرا للصناعة خلال الحقبة الديمقراطية الثانية،.. المهم انه رفع سماعة التلفون وقال بالحرف الواحد: يا الرشيد.. هل في زول معارض ممكن يمشي لندن عشان يجي يقلب الحكومة بدبابة؟ كان على الطرف الآخر الرشيد الطاهر رئيس الوزراء، وانتهت المكالمة، وقال لي عز الدين: روح الاتحاد الاشتراكي واستلم أوراقك وامشي احجز في الخطوط السودانية، وبكل بجاحة قلت له: معليش اعفني من حكاية الذهاب الى مباني الاتحاد الاشتراكي، لأن ... ولم يدعني أكمل، بل قال: عندهم حق يتحفظوا على سفرك، ثم رفع سماعة الهاتف مجددا وقال لشخص ما على الطرف الآخر: في أوراق باسم كذا وكذا عند فلان الفلاني في الاتحاد الاشتراكي تجيبها عندي في المكتب خلال نصف ساعة.. وبعد نصف ساعة كنت أحمل رزمة أوراق تؤكد أنه لم تعد هناك عقبة أمام رحلتي الى لندن.





jafabbas١٩@gmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة