فنان قد يكون سفيرا للنيات الحسنة وللفنانين البحرينيين في عواصم العالم، من دون مُسمى
كريم العريض رسام الزمن البحريني الجميل الباقي
 تاريخ النشر : السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٢
بقلم: علي الستراوي
على الرغم من كبر سنه، فانه لم يترك فرشاته وألوانه، ولم يستند إلى جدار الحزن، ظل يعمل ليل نهار لأجل الوطن ولأجل لوحة تركَ بداخلها كل ما يملك من حب وسلام الحمام، فذكرياته التي كثيرا ما فجرها في المحافل التي استضافته هي أكبر شاهد على عطائه الكبير لوطن لا يرى غيره حبيبا.
سنوات مرت من عمره منذ أن كان طفلا، وهو يجدف بمجداف عطائه الإنساني والفني، كونه صاحب العديد من المشاريع الفنية التي أسست بداخله روح الفنان العاشق للجمال والسلام.. هو الفنان الكبير عبدالكريم العريض، التشكيلي البحريني الذي كبرَ بكبرِ الوطن، منذأن كان الوطن بيتاً من »برستج« وبساطاً من »حصيرِ خوصِ النخل«.
من لا يعرف هذا الفنان لا يعرف لا شيئاً عن فناني الوطن الآخرين، فهو الفنان الذي حفر في ذاكرة الأجيال تاريخ الحركة التشكيلية في البحرين.
وهو صاحب التجربة الطويلة في الفن التشكيلي.
ولكونه محبا للكتابة والتأليف أصدر في عام ١٩٨٤ كتاباً سماه: »أضواء على الحركة التشكيلية في البحرين«، وثق بداخله اثني عشر فنانا بحرينيّا كانوا بمثابة الرواد الذين شكلوا الأساس الأول لانطلاق الحركة التشكيلية في الوطن.
فنان قد يكون سفيرا للنيات الحسنة وللفنانين البحرينيين في عواصم العالم، من دون مسمى.
فلو رجعنا إلى ولادته، فهو من مواليد المنامة عام ١٩٣٤، منذ انبثاق موهبته وهو على كراسي الدراسة، ويده على فرشاته، وأحلامهُ تتلونُ فوق الورق المقوى، غامساً أصابعه بألوان عدة، لكنها تنطوي جميعها في لون قلبه الشفاف المحب والعاشق بصدق لكل البشر.
وهو أحد رواد الحركة التشكيلية في البحرين، تعددت مشاركاته، حيث شارك في الكثير من المعارض والفعاليات الفنية والخارجية في دول الخليج، والدول العربية والعالمية، فُعرفتْ قدميه عندما استضافتهُ الدولُ العربية، والأوروبية.
هذا الشيخ، بطنَ الحياةَ ودخلَ في محكِ بناءِ الأجيال، فكانت بصماته واضحة على الصعيدين الإنساني والفني، لم تمنعه شيخوخته من فرشاته، وخنق ابتسامته، فهو صاحبُ ابتسامة عميقة، ذات اتصال روحي بمكونات المجتمع البحريني.
وكلما جمعني به حديث قادني حديثه دائماً عن بداية الحركة التشكيلية في البحرين التي قال عنها: انها حركة بدأت صعبة في مسيرتها، منذ انطلاقتها في الخمسينيات من القرن الماضي.
أيضاً قال لي: ان بداية ربط الحركة التشكيلية في البحرين جاءت بعد قيام هو وحسين السني وراشد العريفي ومجموعة من محبي الفن بتأسيس جمعية، وهي جمعية »أسرة هواة الفن« في عام ١٩٥٦ بعد أن حصلوا على إذنٍ بعد أن تقدموا بطلب في عام ١٩٥٢، إلى مستشار حكومة البحرين آنذاك لإصدار مجلة أو صحيفة مدرسية.
وكان هذا الهاجس دافعاً بالعريض ورفاقه وهم طلبة فيما بين ١٧ و١٨ في أن يكونوا للفنان نواة انطلاقة صحيحة نحو ممارسة الفن.
وأنت أمام هذا العملاق المبدع، والأديب الذي وثّق الكثيرَ من نتاجه عبر كتب عديدة، فقد كتب عن العاصمة المنامة، وعن ذكرياته وهو في المغرب ووثقها بشكل روائي، والكثير من الأدبيات التي هي اليوم موازينه لنتاجه التشكيلي.
فهذا الشيخ الذي يعدلا ذاكرةَ الجدود ورائحة الأجيال الجديدة التي يتلمذ على يده يوميا العديد من هواة الفن التشكيلي، لأنه كرسّ نفسه لحب الوطن وحب أبنائه.
العريض مازال حريصاً على التمسك برفيق دربه الفنان الكبير راشد العريفي، يقطعان الحلم معاً ويسجلان ذاكرة الزمن الجديد ضمن تقويم مغاير عن ذاكرة الموت.
معاً في الصباح الجديد من صباحات الوطن يحتضنان لوحة واحدة وجناحاً واحداً يقودهما نحو الحب والسلام والبناء لوطن احتضن طفولتهما معاً.
العريض مازال يجلس فوق عتمة بيته وينظر للمارة بلون واحد؛ أحبك أيها الوطن.هي لوحةٌ واحدة تشكلت ونمت ببياض هذا الشعب، وبفيض أسرة واحدة كلنا نتوسد حصيرتها وحداثتها اليوم.
بماذا يرسمُ العريضُ لوحته؟
الزمن الجميل الذي اعتاد أن يتمسك به العريض هو الزمن الذي وطن فيه العريض عشقه، جاعلاً من هذا العشق رسالة فنية وثقافية ذات اتصال اخلاقي وانتمائي للأرض وسكانها من البشر.
فأنت ايها الباحث عن القيمة الجمالية في لوحة العريض لابد أن يشدك ذلك العمق الذي يغمسُ فيه العريض ريشته، عمقٌ تراثي ملتصقٌ بالأرض والناس، وبذاكرة خصبة ذات معطيات رسالية عالقة بالخلق الالهي وبما حباه الله من شواهد هي اليوم محطات صلبة لا تنحني امام اي تغير ظرفي.
في لوحة العريض يكتشف المتأمل لأعمال هذا الفنان ذلك الخيط المتشكل في طوله وفي قوته من جذورٍ عميقة في اتصالها الفني.
فمنذ ولادة اللوحة الفنية عند العريض وهي متنوعة في جدليتها، فمرة نراها في البيوت القديمة لأهل البحرين وأخرى في العيون المائية التي جعلت من البحرين في تلك السنوات الخصبة واحةً خضراء، فتغزل فيها الشعراءُ وسجلوا بشعرهم ملاحم بطولية في عشق البحرين وطن النخل والبحر.
وكان العريض سفيراً متنقلاً وناقلاً في كل رحلة يبتعد فيها عن الوطن، يأخذ من رائحة ذكرياته ما جعلَ الآخرين عاشقين للبحرين.
فأعماله هي وثائق حية لمرحلة تاريخية من عمر الوطن، فالتراث والأصالة متصلان بريشته الفنية وقيمتها الثقافية التي ابهرت الكثيرين من لم يعرفوا البحرين هذه الجزيرة الساحرة بنخلها وبحرها.
وفي الحداثة الفنية كان للعريض رسالة أخرى وثقت جماليات اللوحة وربطتها بأعمال كبار الفنانين أمثال بيكاسو ودافنشي وآخرين.
فلوحة العريض عالقة بذاكرة كلما كبر بها الجيل الجديد كبرت معه في تنوعها الفني والثقافي.
اذاً العريض يرسم لوحته بماء عينيه وبدم قلبه، من دون أن يترك زاوية مظلمة لا تمر عليها فرشاته فتضيئها.
فهو الفنان العاشق للزمن الجميل، وللحب الذي يجمع لوحاته بأعمال أجيال الشباب بانتمائه للأرض والحياة والبشر.
.
مقالات أخرى...
- حرقوا قناة وحطموا المسرح البلدي سلفيو تونس يدوسون «ياسمين» الثورة - (30 يونيو 2012)
- فنانة وقفت على باب التقوى في بروكسل - (30 يونيو 2012)
- قصيدتان للشاعر الهندي: فراق جوراخبوري - (30 يونيو 2012)
- «مختبر النقد الأدبي».. أمل جديد لعودة الروح إلى الحياة الثقافية - (30 يونيو 2012)
- المكان في المخيلة الروائية العربية: طللٌ أم بطلٌ أصيل؟ إبراهيم عبدالمجيد: أرفض إحالة المكان في الرواية إلى وطن - (30 يونيو 2012)
- قضايا ثقافية جماهيرية الشعر المحلي - (30 يونيو 2012)
- إليك.. أيتها الأم.. إليك.. يا وطن الوطن - (30 يونيو 2012)
- ما قاله الشاعر رمزا - (23 يونيو 2012)
- قصيدة للشاعر: فراق جوراخبوري - (23 يونيو 2012)