الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٧ - السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافي

قضايا ثقافية

جماهيرية الشعر المحلي





في فترة من الفترات التي ازدهر فيها الشعر المحلي والحديث بالذات الذي كان يخاطب الجماهير ويعيش معهم ويرتدي ملابسهم ويأكل معهم الخبز ويستنشق القضايا الإنسانية ويؤرخ للحركات النضالية في كل مكان أو مناسبة، اليوم صار السؤال المؤرق والمطروح بكل قوة على الساحة الأدبية هو:هل غابت جماهير الشعر أم الغائب هو الشعر ذاته؟

إن الرصد الحقيقي للشعر المحلي الحديث يؤكد غياب الجانبين معا، فلا الجماهير قادرة على تذوق الشعر بكل أنواعه ومواقفه وتناقضاته ولا الشعر في استطاعته أن يخترق لب الجماهير أو تفاعلهم معه، ومن ضمن الأسباب قلة النشر في الصحافة المحلية والاعتماد على النشر في المواقع الإليكترونية الخاصة، مما صعّب مهمة تلقي الجماهير وصارت الخصوصية سمة من سمات التبادل المعرفي.

هذه القضية الشعرية هي التي اسهمت في إضعاف الشعر المحلي وقوّضت الكثير من مرتكزاته حتى ان الجمهور الثقافي لم يعد يعرف اسماء الشعراء المحليين لا بعضهم ولا أشهرهم، لكن النخب المتفرقة يمكن أن تتعرف إلى بعضها بعضا نتيجة تداول الأشعار التي تنشر في المواقع الإليكترونية الخاصة.

أصبح الوحيد الذي ينشر بين الفينة والأخرى هو الشاعر عبدالحميد القائد لكن قصائده في الملحق الثقافي بأخبار الخليج ليست بذاك الكم الجماهيري والمستوى الذي يخاطب الناس، إنها نوع من الهمسات الذاتية ذات الأصوات المبحوحة التي بالكاد يمكنها أن تخترق الورق.

من الصعب اليوم أن تعيد الشعر إلى الجماهير أو العكس، فالتحولات الجذرية في المجتمع الثقافي اسهمت في تغريب الشعر وابعاده عن المصب الرئيس، يضاف إلى هذا هجوم الدوريات الثقافية الملونة التي تهتم بالشكل على حساب المضمون لأننا نعرف أن نشر القصائد الجماهيرية في مثل هذه الدوريات يكاد يكون من الممنوعات ما لم تصب القصيدة أو العمل الإبداعي في السياسة الرسمية لأهداف تلك الدورية.

يبدو أن مفهوم الفارق في المعنى بين القصيدة التي تحاكي الذات والتي تخاطب الناس أصبح كبيرا وشاسعا ولا يمكن القبض عليه وقد يزداد بونا واتساعا في المستقبل المنظور أو القريب إن لم نقل بدأ الاتساع الآن وأثبت واقعه وترسخ في أذهان الناس.

إن المؤسسة الثقافية الوحيدة التي ارتبطت بالإنسان منذ تأسيسها هي أسرة الأدباء والكتاب، وهي الجهة التي باعدت بين الشعر وبين (الكلمة من أجل الإنسان) ليصبح هذا الكلام فضفاضا يمكن أن يرتديه أي فرد يُتعتع بالكلمة، ومع التحولات والتعيينات والاختيارات القسرية تباعد الشعر عن المجتمع وفضَّل المجتمع هو الآخر أن يبتعد، ويُعد هذا التفاهم في ترسيخ التناقض: أن نبتعد معا ونسير في اتجاهين معاكسين هو ما جعل الشعر المحلي يفتقد العذرية المحلية من دون أن ينمو في أحشائه أي جنين جديد يمكنه أن يرفع راية المقاومة بل صار العقم الإبداعي هو نافذة الحرية للمحكوم عليهم بقبول الأمر الواقع



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة