الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٧ - السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافي

حرقوا قناة وحطموا المسرح البلدي

سلفيو تونس يدوسون «ياسمين» الثورة





تونس: أنور طرباي

انقض الإسلاميون على الثورة في تونس وداسوا الياسمين الذي انتظره التوانسة كثيرا بتهديدات بالقتل لصاحب قناة «نسمة» وإشعال النار في منزله، ثم تحطيم المسرح البلدي في الاحتفال باليوم العالمي للمسرح، ثم الاعتداء على الفنانين بالسحل في الشوارع، وأحكمت حركة النهضة الإسلامية قبضتها على الإبداع وخنقت المبدعين الذين يحاولون التصدي لهذه الهجمة المتشنجة من المتشددين.

بدأ الأمر في تونس سريعا؛ كأن التيار الإسلامي هناك يعرف أنه سيقبض على مقاليد الحكم لا محالة، فبعد مرور ستة أشهر على ثورة الياسمين بدأت حرب الإسلاميين ضد حرية التعبير والإبداع عندما هاجمت مجموعة من المتشددين دار عرض سينمائي هي سينما »افريقيا« التي أعلنت فيلما للمخرجة الفرنسية من أصل تونسي نادية الفاني، وبعدها بفترة تلقت المخرجة تهديدات بالقتل.. واتسم رد فعل وسائل الإعلام وقتها بالقلق، وحذرت من أن الحريات في تونس أصبحت مهددة بالخطر في حال وصول تيار الإسلام السياسي إلى الحكم، ومع كل تلك التحذيرات انتخب الشعب التونسي الإسلاميين.

وبعدها بفترة وجيزة حدثت قضية »قناة نسمة« التي أثارت غضب واستياء الرأي العام، وتتلخص القضية في بث القناة لفيلم كارتوني إيراني مدبلج بعنوان: »بلاد فارس« للمؤلفة الإيرانية مارجن استرابي؛ تروي أحداثه قصة فتاة من أسرة متحررة تعيش أجواء الانقلاب الذي قامت به الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الخميني عام ١٩٧٩ على نظام الشاه السابق محمد رضا بهلوي، وشعور تلك الفتاة بعدم الحرية والقمع في ظل الحكم الإسلامي وما تلاه من خيبة أمل قبل أن يرسلها والدها إلى النمسا خوفا عليها من الأجهزة الأمنية، لتكمل دراستها هناك، كما تضمن الفيلم مشهدا يظهر فيه رجل عجوز ملتح تم تفسيره على أنه يمثل إساءة إلى الذات الإلهية.

وبعد عرض الفيلم قامت الدنيا ولم تقعد؛ حيث اشتعل الفيس بوك وطالب ناشطون تابعون لتيارات الإسلام السياسي بإدانة القناة وأقاموا دعوى قضائية ضدها بتهمة اهانتها لمشاعر التونسيين المسلمين وصدر حكم ضد صاحب القناة.

وكانت القناة قد أثارت جدلا واسعا ؛ بسبب عرضها في رمضان قبل الماضي المسلسل الإيراني المثير للجدل »يوسف الصديق« الذي عرض في مصر أيضا، ورفع حينها مجموعة من المحامين التونسيين دعوى قضائية ضد القناة ، لكنها رغم ذلك عرضت المسلسل وزادت حدة الخناق على قناة »نسمة« وأخذ التيار المتشدد يراقب القناة وما تعرضه، بقيام بعض الناشطين السلفيين بالتوجه إلى منزل صاحب القناة وإضرام النار فيه، وبأعجوبة استطاع صاحب المنزل وأهله الهرب من الباب الخلفي للمنزل.

وقال نبيل القروي رئيس محطة »نسمة« إنه تلقى تهديدات بالقتل بعد بث الفيلم، مؤكدا أنه سيواصل نهج القناة في سعيها إلى الحداثة في المنطقة المغربية، موضحا »لم نطرد ديكتاتورا ليحل محله آخر«.

الشعب يريد المسرح

ولم يمر وقت طويل على الواقعة حتى وجد الشعب التونسي نفسه أمام كارثة أكبر عندما قرر بعض أعضاء الجمعية التونسية الناشئة التي تضم أساتذة مسرح وأكاديميين وفنانين إقامة احتفالية وقرروا تنظيم تظاهرة بعنوان: »الشعب يريد المسرح من جديد« لمشاركة الناس بهجة فنون الفرجة وفي اليوم نفسه قررت جمعية »نصرة كتاب الله« التظاهر في الشارع وكان الهدف المعلن من المسيرة النص على الشريعة الإسلامية في الدستور، لكن بعض السلفيين هاجموا المسرح البلدي مقر الاحتفالية، وحطموا لافتات عليها ملابس مسرحية»عطيل« لعلي بن عياد التي تعد من إرث المسرح التونسي في الستينيات لكن المسرحيين تمكنوا من إقناعهم بضرورة الانسحاب من المكان. وحاول بعض المشايخ إقناع المتظاهرين السلفيين بالانسحاب إلى الجهة اليمنى من شارع بورقيبة بقرب الساعة العملاقة، حيث سمحت لهم وزارة الداخلية بالتظاهر هناك، إلا أن السلفيين عادوا للتجمع أمام »المسرح البلدي« رافعين راياتهم السوداء مطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية وتطهير البلاد من المفسدين.. واستطاعت قوات الشرطة إقامة حاجز بين الطرفين لكن المتظاهرين نجحوا في رمي البيض على المسرحيين وهشموا الواجهة الزجاجية للمسرح البلدي الذي احتضن أبرز عروض المسرح منذ مطلع القرن العشرين.

الإعلامية التونسية هدى بن عمر تقول: إن الفن في تونس أصبح من المحرمات، وعلى الرغم من وعد السلفيين بفصل الفن عن السياسة فإننا وجدنا أن الفنانين في مرمى نيرانهم، وآخر تلك الاعتداءات ما حدث مع الفنان وأستاذ المسرح رجب المجري يوم ٢٤ مايو الماضي، حيث تهجم عليه بعض السلفيين وكسروا طقم أسنانه في الشارع ودخل المستشفى وقام بعض المسرحيين والفنانين بعمل مسيرة أمام المجلس التأسيسي التونسي تنديدا بما حدث من اعتداءات فهم يرون أن الفن حرام والرقص حرام وصوت النساء حرام وظهورهن بأي شكل حرام حتى ضحكاتهن حرام.

وأضافت بن عمر: إن الاعتداءات لم تقف عند هذا الحد بل أصابت فنانين آخرين مثل الفنانة الكبيرة جليلة بكار وهي من الفنانات اللاتي حصلن على العديد من الجوائز المحلية والعالمية، وكذلك الفنان الفاضل الجعايبي وفاطمة بنت شهيبان، وهؤلاء الفنانون من كبار الفنانين ومسرحهم يقدم فنا هادفا ضد النظام السابق ولم يقترفوا ذنبا غير حبهم لبلدهم.

مؤكدة أن المبدعين في تونس خائفون، وكل فنان عليه أن يسير بمفرده في الشارع أو يتكلم فمن الممكن أن يهجموا عليه، ووصل الأمر لدرجة أنهم كسروا التماثيل في بعض المعاهد الفنية لأنها حرام، وكذلك فإن الإعلام لم ينج من تصرفاتهم فقد قاموا بحرق إحدى القنوات الفضائية وهي قناة »الحوار« لأنها خارجة بالنسبة لهم، لكن صاحب القناة صرح بأنه سيعيد فتحها مرة أخرى وسيقف لهم بالمرصاد.

وتضيف هدى: كنا نتخيل أننا سوف نمضي إلى الأمام، لكننا نتراجع بشكل سريع جدا إلى الخلف، والمرأة في تونس تعامل بشكل سيئ لدرجة أنهم حرموا ضحكتها وتعبيرها عن رأيها، وعلى الرغم من وعودهم بفصل الدين عن الفن فإننا وجدنا غير ذلك.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة