الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٨ - الأحد ١ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١١ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين

الثقافة السياسية

المجتمع المدني الدولي





من المعروف أن مؤسسات المجتمع المدني هي تلك المنظمات المتواجدة داخل الدولة وتلعب دوراً وسيطاً بين الجماهير وبين مؤسسات الدولة، ولذلك يطلق عليها في أحيان كثيرة جماعات أو مؤسسات الضغط داخل النظام السياسي، خاصة وأنها متخصصة في مجالات معينة. ولكن السؤال المطروح هنا: هل هناك مجتمع مدني دولي؟

بالطبع يوجد مجتمع مدني دولي، وهو المجتمع الذي يضم جميع المؤسسات غير الربحية وغير الحكومية والتي تمارس أنشطة في قطاعات محددة؛ مثل حقوق الإنسان والدفاع عن البيئة والأعمال الإنسانية والرعاية الطبية.. الخ عبر مختلف القارات.

المجتمع المدني الدولي يشمل المؤسسات الوسيطة بين الحكومات والشعوب على مستوى العالم، بحيث تقوم هذه المؤسسات بدور الدفاع عن القضايا الدولية، وحماية المصالح على المستوى الدولي أيضاً.

يتسم المجتمع المدني الدولي بأنه منظومة ضخمة ومعقدة علاقاته، ومن الأهمية بمكان تسليط الضوء على تطور هذا المجتمع بشكل عام من الناحية التاريخية. ارتبط تطور المجتمع المدني الدولي بتطور العلاقات الدولية التي تطورت نتيجة تداخل علاقات الاقتصاد مع السياسة التي ساهمت في زيادة تأثير العلاقات الدولية على الأوضاع السياسية داخل الدول.

وخلال النصف الأول من القرن العشرين لم يكن هناك تأثير كبير لمؤسسات المجتمع المدني الدولي، ويعود ذلك لسببين, الأول يقوم على انشغال مؤسسات المجتمع المدني بالقضايا الداخلية أكثر من اهتمامها بالقضايا الخارجية، وما كرّس هذه الحالة الأوضاع السياسية التي كانت تتميّز بها الدول في تلك الفترة التاريخية، إذ انشغلت معظم مؤسسات المجتمع المدني آنذاك بالتحرر من الاستعمار، أو المطالبة بالحقوق المدنية والإصلاح السياسي وإنهاء التمييز والمطالبة بالعدالة في توزيع الثروة، أو إيقاف حالات الحروب الأهلية. أما السبب الثاني فهو ضعف وسائل الإعلام ومحدودية تأثيرها، فكما هو معروف لم تكن وسائل الإعلام التقليدية في النصف الأول من القرن العشرين بمثل ذلك التأثير الهائل الذي تلعبه حالياً. ولذلك فإن وسائل الإعلام لم تساعد على نقل القضايا بين المجتمعات والدول، وظلت القضايا التي اهتمت بها مؤسسات المجتمع المدني داخلية لا أكثر.

التطور الأبرز في تاريخ مؤسسات المجتمع المدني الدولي، هو الحرب العالمية الثانية التي انتهت في العام ١٩٤٥، إذ تولدت قناعة عامة بأهمية وجود مؤسسات دولية تعنى بوقف الصراعات وإنهاء الحروب وإشاعة السلام في العالم لاعتبارات إنسانية بحتة. ومثل هذه الأفكار أدت إلى تأسيس الأمم المتحدة لاحقاً التي دعمت مفهوم المجتمع المدني الدولي لتحقيق أهداف وتطلعات هذه المنظومة الدولية.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت بعض المؤسسات بالظهور في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وكان الهدف منها القيام بدور بارز لتعزيز العلاقات بين الدول من خلال إنهاء حالة الصراعات والحروب التي تضرر منها العالم. ولكن ظروف الصراع بين المعسكرين الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، والاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق ساهمت في تطوير أنشطة هذه المنظمات، ومن أمثلة ذلك تطور نشاط مؤسسات المجتمع المدني العالمية المعنية بدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان والإصلاح السياسي، وكذلك الحال بالنسبة لمؤسسات حقوق الإنسان المتعددة مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش وغيرها من المؤسسات.

في نهاية القرن العشرين صار المجتمع المدني الدولي أكثر وضوحاً، في ظل الثورة الإعلامية الكبيرة التي حدثت خلال تسعينات ذلك القرن، والسمة الأبرز هنا لمثل هذه المؤسسات أنها صارت أكثر تأثيراً، وأكثر نفوذاً من ذي قبل، وصارت أعدادها أكبر بكثير، ولها نشاطات تتجاوز حدود الدول وصولاً إلى القارات.

مثل هذا الدور أسهم في تعزيز مكانة مؤسسات المجتمع المدني الدولي على مستوى حكومات العالم، وحظيت الكثير منها باعتراف وتقدير الحكومات رسميا، وصارت العديد من البلدان تتعاون معها في مختلف المجالات. ومع ذلك فإنه لا توجد حتى الآن قوانين أو أنظمة دولية معينة تنظم نشاط وعمل مؤسسات المجتمع المدني الدولي وحتى تمويلها وشرعية مزاولتها الأنشطة خارجياً. واللافت أن أنشطة هذه المؤسسات تتركز من دول الغرب بشكل رئيس وتنشط في دول العالم الأخرى، وهو ما دفع هذه المؤسسات إلى فتح مكاتب خاصة بها حول العالم.

أهم القضايا التي تثار عادة عند الحديث عن مؤسسات المجتمع المدني الدولي هي شرعية نشاطها ومدى قانونيته، ودرجة تعارضه مع مبدأ أصيل من مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. فعدم تنظيم أنشطة هذه المؤسسات على المستوى الدولي أثار مواقف حكومات عديدة في العالم لأنها في بعض الحالات تجاوزت الأنشطة العادية التي يمكن أن تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني الدولية، وتحولت إلى شكل من أشكال التدخل في الشؤون الداخلية لدول عدة. ولا يزال الجدل مستمراً حول مشروعية نشاط هذه المؤسسات، وتأثيرها على سيادة الدول، ومن الصعوبة حسم هذا الجدل في ظل غياب تنظيم المجتمع المدني الدولي ومؤسساته رغم محاولات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة والعديد من الحكومات الدفع بتنظيم هذه المؤسسات.



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة