الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢٤ - السبت ٧ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٧ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين

الشيخ عبدالله الحسيني في خطبة الجمعة:

"الله أكبر" شعار أمر به الله "أهل الإيمان"





كان عنوان خطبة الجمعة بجامع العدلية التي ألقاها فضيلة الشيخ عبدالله الحسيني خطيب الجامع أمس "الله أكبر"

ما أعظمه من شعار! .. وفيما يلي نص الخطبة:

أيها المسلمون المباركون: نحن اليوم مع شعار عظيم يجلجل من المآذن، ويخترق الآذان، شعار فتحت به المدائن واستسلمت بلدان، شعار لو عقلناه لتحركت منها المشاعر واهتز الوجدان، شعار يشعرنا بحقارة كل متعاظم أمام عظمة الرحمن، شعار يقال لإطفاء حريق، ولتفريج كل كربة وضيق، به يدعى إلى الصلاة، وبه نستفتح صلاتنا، وبه نختم صيامنا، ونستقبل عيدنا، هو قرين التسمية عند التزكية، يُقال عند الجمرات، وفي صعيد عرفات، وعند محاذاة الحجر، وعند إرادة السفر، يُقال إدبار الصلوات، وفي الأيام المعلومات، يُقال عند الرقاد، ويُشرع ليالي الأعياد.

إنه شعار يدوي في الآفاق، ويخترق الحجب، ليعلن للناس كل الناس أن العظمة لله وحده، والكبرياء لله وحده، قال الله تعالى: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبلا الْعَالَمِينَ)، وقال عز وجل: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ).

إنه شعار يلفت الأنظار، ويجذب الأسماع، لكثرة تردده وتكراره، ولو جازة لفظه، وجزيل معناه، أعرفتموه، إنه "الله أكبر" الذي يعني أن الله أكبر من كل شيء ذاتًا وقدرًا وعزة وجلالة، فهو أكبر من كل شيء في ذاته وصفاته وأفعاله، يعني أن الله هو الكبير في كل شيء، والغني على الإطلاق، وهو الذي فاق مدح المادحين ووصف الواصفين، وهو ذو الكبرياء والعلو والعظمة والرفعة، وهو الذي يتصاغر أمامه الكبراء والعظماء، لا ينازعه في كبريائه أحد.

"الله أكبر" شعار جاء الأمر به في أول بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأول إرساله، فإن الله جل وعلا قال لنبيه: (يَا أَيلاهَا الْمُدَّثِّرُ× قُمْ فَأَنْذِرْ× وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) أي: أن الله هو الوحيد الذي يستحق التعظيم والتكبير، فكل أحد، وكل شيء صغير، والله وحده هو الكبير، وفيه توجيه إلى الرسول ثم لأمته بمواجهة نذارة البشرية ومتاعبها وأهوالها وأثقالها بهذا الشعور الإيماني، وذلك باستصغار كل كيد وكل قوة وكل عقبة، واستشعار بأن الله هو الواحد الكبير المتعال، وأن الأمة الإسلامية في حاجة دائمة ماسة إلى مثل هذا التصور.

"الله أكبر" شعار أمر الله به أهل الإيمان في آية وصفها أهل العلم بأنها آية العز، فقال جل وعلا: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذلالِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) أي: عظّمه وأجلَّه بالإخبار بأوصافه العظيمة، وبالثناء عليه، بأسمائه الحسنى، وبتمجيده بأفعاله المقدسة، وبتعظيمه وإجلاله بعبادته وحده لا شريك له، وإخلاص الدين كله له.

"الله أكبر" شعار يُدعى به أهل الإسلام إلى أعظم أعمالهم، وهي الصلاة، وإنه ذلك الشعار الذي يردده المؤمنون في مآذنهم، ويدوي به بلدان المسلمين من غير انقطاع على مدار الساعة.

"الله أكبر" شعار يفتتح به العبد لقاءه بربه، يكرره في ركوعه وسجوده وقيامه وقعوده وفي سائر تنقلاته، ليستحضر في قلبه عظمة من هو واقف بين يديه، فإذا قاله المؤمن، وهو حاضر الفؤاد في صلاته، امتلأ قلبه هيبة من الله تعالى وإجلالاً لمولاه، وذلاٌّ له سبحانه، فإذا امتلأ قلب العبد بذلك، فلا تسأل عن صلاته، إنه في مناجاة عظيمة، في لقاء برب الأرض والسماء يسأله خيري الدنيا والآخرة.

"الله أكبر" شعار أمر الله به أهل الإسلام شكراً على توفيقهم إلى الهداية، وعلى إنعامهم بأن دل القلوب على معرفته، قال تعالى: (لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، فأعظم ما تقابل به نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم، تكبير الله وإجلاله وتعظيمه.

"الله أكبر" شعار ترتعد له قلوب أعداء الله عز وجل، وعلى رأسهم زعيمهم وكبيرهم إبليس أعاذنا الله منه، إنه يحرقهم، إنه يزلزلهم، إنه يأتي على مقاتلهم، إنه يقذف الرعب في قلوبهم، شعار يخنس به نفوس هؤلاء وجنودهم وحزبهم من الإنس والجن، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الشيطان إذا سمع ? أي: هرب- له صراط حتى لا يَسمع صوتَه، - أي: حتى لا يسمع صوت المؤذن - فإذا سكتَ - أي: المؤذن - رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوتَه، فإذا سكتَ رجع فوسوس).

"الله أكبر" شعار يغرس معاني التفاؤل والأمل في قلوب المؤمنين عند أحلك الظروف والمحن، ففي غزوة الخندق التي وصفها الباري: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنلاونَ بِاللَّهِ الظلانُونَا × هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا)، قال البراء بن عازب رضي الله عنه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحفر الخندق، فعرضت لنا صخرة في مكان من الخندق، لا تأخذ فيها المعاول، فشكوها إلى رسول الله، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووضع ثوبه، ثم هبط إلى الصخرة، فأخذ المعول فقال: (بسم الله) فضرب ضربة، فكسر ثلث الحجر، وقال: (الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا)، ثم قال: (بسم الله) وضرب أخرى فكسر ثلث الحجر، فقال: (الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا) ، ثم قال: (بسم الله) وضرب ضربة أخرى، فقلع بقية الحجر فقال: (الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا).

"الله أكبر" شعار يُقال تبشيراً بالنصر، وإظهاراً للقوة والعزة، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما غزا يهود خيبر قال: (الله أكبر، خَرِبت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)، قالها ثلاثاً، فكان النصر المبين، ورد كيد أعداء الدي"الله أكبر" شعار سيقوله بصدق وعزيمة إخلاص جيش يغزو القسطنطينية في آخر الزمان، فيُسقطون جوانبها بالتكبير جانباً بعد جانب من غير سلاح ولا رمي بسهم.

"الله أكبر" مع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، هن الباقيات الصالحات، قال الله: (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا).

"الله أكبر" مع التسبيح والتحميد عند النوم تغني عن الخادم، هو مع التحميد والتسبيح والتهليل غرس الجنة، وهن أحب الكلام إلى الله، وهن أحب إلى المصطفى مما طلعت عليه الشمس.

نشعر في أحيان كثيرة بالضعف والهوان أمام جبروت الأعداء والمتآمرين ومظاهر قوتهم، فيأتي هذا الشعار ليعلن لنا أن الله أكبر من كل شيء، وأن قوته لا تغلبها قوة، وعَظَمته لا تجاريها عظمة، ومن علّق قلبه بالله حماه، ومن توكل عليه كفاه.

يتعرض إخواننا المسلمون المستضعفون في شتى بقاع العالم لأشد أنواع الأذى، ويأتي المرجفون ليقولوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فيأتي شعار "الله أكبر" ليقول: إن الله أكبر من كل قوة، وأعظم من كل سلطان، وإذا قال لشيء كن كان، إنه يحمل رسالة من الله: (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ).

يوم أن كان أسلافنا يحملون هذا الشعور، ويتبنون هذا الشعار، كانوا وقتها يجاهدون في سبيل الله، ويقولون الحق ولو كان مرٌّا، ويصدعون بالمعروف لا يخشون لومة لائم، قال الله: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ).

إذا اشتدت الأزمات، وتوالت النكبات، وتتابعت الضربات، وعم الشعور باليأس، جاء شعار"الله أكبر" ليحيل الهزيمة نصراً، واليأس أملاً، ويجعل الضعف قوة، والذل عزة.

قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (قول العبد: الله أكبر، خير من الدنيا وما فيها).

وقال ابن تيمية: (التكبير مشروع في المواضع الكبار لكثرة الجمْع، أو لعظمة الفعل، أو لقوة الحال، أو نحو ذلك من الأمور الكبيرة، ليبين أن الله أكبر، وتستولي كبرياؤه في القلوب على كبرياء تلك الأمور الكبار، فيكون الدين كله لله، ويكون العباد له مكبرين، فيحصل لهم مقصودان: مقصود العبادة: بتكبير قلوبهم لله، ومقصود الاستعانة: بانقياد سائر المطالب لكبريائه، ولهذا شُرع التكبير على الهداية والرزق والنصر، لأن هذه الثلاث أكبر ما يطلبه العبد، وهي جماع مصالحه) ا.هـ.

أيها المسلمون المباركون: إن تكبير الله عز وجل بالقلب واللسان يقتضي من المسلم الاستسلامُ الدائم لله عز وجل في كل وقت ومكان، بحيث يصاحبه تكبير الله عز وجل في مسجده، وفي بيته، وعمله، وسوقه، ليلاً ونهاراً، سرٌّا وجهرًا.

إن تكبير الله عز وجل في حقيقته يعني أن يكون اللهُ أكبرَ في البيوت، وفي الأسواق، وفي الأعمال، وفي الاقتصاد، وفي السياسة والحكم، وفي جميع شؤون الحياة وميادينها، فلا يعلو على أوامر الله عز وجل وأحكامه شيء، وإلا فما معنى قولنا: "الله أكبر"؟!

إن واجب المسلمين أن يتدبروا معاني التكبير، وكما نقوله في المسجد، وفي صلاتنا وأذكارنا، ينبغي أن نقوله ونقوم بمقتضاه في جميع أحوالنا وأوقاتنا وشؤوننا وأوضاعنا.

الخطبة الثانية

أيها المسلمون المباركون:"الله أكبر" شعار يورث تعظيم شعائر الله تعالى، ومن علامات تعظيم العبد لربه أن يعظم شعائره، قال جل وعلا: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، فيكون المسلم مسابقاً إلى طاعة الله تعالى، عاملاً بما يرضيه سبحانه وتعالى، منتهياً عما نهى الله عنه، مجتنباً لأنواع المعاصي والسيئات.

إن من آمن وأيقن بأن الله أكبر، فإن ذلك يحمله على الاستعانة بالله وحده، وصدق التوكل عليه، وتفويض الأمور إليه مع الأخذ بالأسباب المشروعة، وعدم الركون إليها، وإنما الركون إلى الكبير المتعال الذي قهر كل شيء بكبريائه وعظمته، وخضع لسلطانه كل مخلوق مهما علا شأنه.

إن من آمن وأيقن بأن الله أكبر، فإن ذلك يورث عنده خوفًا من الله وحده، وعدم الخوف من أي مخلوق كائناً من كان.

إن من يؤمن بأن الله أكبر، فإنه يحب ما أحبه الله، ويُبغض ما أبغضه، بحيث يكون هواه تبعاً لما يحبه الله عز وجل، ومضاداً لما يبغضه، ومن علامات ذلك محبة الرسول، ومحبة المؤمنين وموالاتهم، وبغض من يبغضهم الله من الكفار والمنافقين.

ومن يؤمن بأن الله أكبر، فهو معظّم للشريعة الإسلامية، لا يتقدم بين يديها، بل ينقاد لها ويسلّم، ويُحكّمها في الصغير والكبير، ويتحاكم إليها، ويرضى بحكمها.

هناك الكثير ممن يرفعون هذا الشعار، بل بعض أهل الباطل يتشدق به، لكنه لا يتجاوز حناجرهم، أما الذين يرفعونه قولاً وفعلاً، قلباً وقالباً، فإن الله يرفعهم، فقد رفعه أهلنا الشرفاء في البحرين وتونس ومصر وليبيا واليمن وغيرهم، فرفعهم الله، ودفع كيد الكائدين عنهم، وسيرفعهم ما داموا كذلك، ويرفعه أهلنا في فلسطين وسوريا وبورما وغيرهم، وسيرفعهم الله عاجلاً أم آجلاً، قال الله: (كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).

ألا ما أحوجنا إلى تدبر هذا الشعار "الله أكبر" وإدراك معانيه ودلالاته وأسراره وحكمه، وما أحوجنا إلى أن نغرس في قلوبنا وقلوب أبنائنا وأجيالنا أن الله أكبر وأعظم وأجل، فلا نعظّم إلا الله، ولا نخشى إلا من الله، قال سبحانه: (فَاللَّهُ أَحَقلا أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُن



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة