أنا وتجمع الوحدة الوطنية والتقرير السياسي
 تاريخ النشر : الأحد ٨ يوليو ٢٠١٢
فوزية رشيد
} لا أنكر أنني ترددت كثيرا من قبل أن أرشح نفسي إلى الهيئة المركزية في تجمع الوحدة الوطنية، فأنا أبعد ما أكون اليوم عن أي عمل سياسي مباشر وخاصة في اطاره الحزبي، مثلما أني لست من هواة الظهور أو السعي إلى زخارف تجلياته الاجتماعية أو المناصبية أيا كان نوعها، ومن يعرفني جيدا يعرف هذا العزوف عندي وأسبابه كثيرة، إلى أن انتابني شعور بأن ألبي نداء خفيا بما يخص تجمع الوحدة الوطنية، حسبته في ميزان نداء الواجب الوطني في مثل هذا الظرف، وخاصة أن التجمع من المفترض أن يمثل «أهل الفاتح» لأنه خرج من وهج فزعتهم في قمة الازمة للدفاع عن الوطن وهويته ومصيره وثوابته الوطنية، وألا أبخل بالتالي لا بوقتي ولا بجهدي ولا بفكري المتواضع، في مثل هذا الوقت، الذي زادت فيه السهام على أهل الفزعة، وحتى لا أكتفي كآخرين بنقد الثغرات كتابيا، وإنما أن أسهم عمليا في محاولة سد الثغرات والامداد بالفاعلية إن صفت النيات في التجمع، وخاصة أن البحرين لاتزال تعيش تبعات الأزمة وارهاصات جديدة فيها، أعتقد أن لتجمع الوحدة الوطنية امكانية القيام بدور فاعل فيها، إن أجاد قادته صياغة رؤية استراتيجية حاذقة وقادرة على قراءة متطلبات الواقع الوطني في هذه المرحلة والدفاع عن الوطن.
} ورغم أن البعض القريب نصحني بالابتعاد، وبألا أكون جزءا من التجمع أو صراعاته في هذه الفترة الحرجة التي يعيشها، وفي ظل تكاثر الانتقادات والاستشفافات والاختلافات حول أسلوب ونهج إدارته في ظل التكتلات والتحزبات و«الشللية» التي ضربت معا للأسف عظمه الطري كوليد لم يتجاوز عامه الأول إلا قليلا، وهذا ما أشار إليه رئيس التجمع بنفسه أكثر من مرة، إلى جانب ما قاله لي البعض الحريص ان ذلك سيؤثر في استقلاليتي في الكتابة وخاصة عن التجمع وما يتصل به، بل ذكر بعضهم الأكثر حرصا على مساري الأدبي والابداعي بالتأثير السلبي فيما سماه مكانتي الأدبية والتأثير الحزبي فيها، إلى غير ذلك من ملاحظات أحترمها وأحتفظ بها لنفسي، وملاحظات أخرى حول صعوبة العمل مع البعض الذي يتصرف ويتحدث، كأن التجمع لا صلة له بأهل الفاتح أو برؤاهم العامة أو بتداعيات الأزمة وتأثيرها في الوطن وفي إطار التخبط، بقدر ما هذا البعض معني بنفسه وبركوب موجة الفاتح لتحقيق مآرب بعيدة عن تطلعات ورؤى ما دفع أهل الفاتح أصلا إلى فزعتهم التاريخية المشهودة.. الخ، كل ذلك وغيره من محبطات الأمور ربما هي ذاتها التي دفعتني إلى اتخاذ قرار المشاركة بحس وطني أراد أن يضع الأسباب السلبية في إطار الدافع الايجابي لكل من هو حريص على تمثيل أهل الفاتح بشكل صحيح، وحيث الواجب والتكليف هنا بانتظاره، وبعيدا عن أي تشريف لم أطمح إليه مثلا من جانبي قط، ولكي لا أكون ممن (يقولون ما لا يفعلون) وخاصة إذا كان الأمر متعلقا بالدفاع عن البحرين ومواقف شرفائها وليس شيئا آخر.
} حين ذهبت إلى المؤتمر السنوي الأول ٣٠/٦/٢٠١٢ لاستكمال أعضاء الهيئة المركزية عبر الانتخاب، انتابني مرة أخرى التردد وأوشكت على الانسحاب، وخاصة بعد أن تصفحت التقرير السياسي بشكل سريع لم يتح الوقت أكثر منه، فالتقارير تسلمها الحضور قبل بدء الجلسة مباشرة، و«التقرير السياسي» الذي كان لايزال مجهولا لقارئه كان حتما بحاجة إلى قراءة متأنية، باعتبار انه يمثل رؤية التجمع لمجمل الأحداث في البحرين خلال عام، أو منذ أن بدأت الأزمة، إلى جانب طرح العمل والأداء السياسيين تجاه تلك الأحداث، وللأسف من قدم وقرأ التقرير، فعل ذلك على عجل وبابتسار مخل، مما جعل أيضا الذهن متوزعا بين سماع ما يقوله وتصفح ما بين اليد من أوراق تصل إلى الأربع عشرة.
ورغم ذلك فإني طلبت كلمة أكدت فيها ان التقرير السياسي بالقراءة الأولية السريعة يبدو أنه تنقصه الرؤية الاستراتيجية الواضحة، تجاه مفردات الأزمة وأطرافها الأربعة من جانب تجمع أو جمعية من المفترض أنها خرجت من رحم الأزمة ذاتها، وأنها تمثل صوت أهل الفاتح وهواجسهم وموقفهم الوطني، بقدر ما تمثل صوت الوطن ذاته، وحيث أحداث فبراير ٢٠١١، تعتبر أخطر ما مرت به البحرين في تاريخها المعاصر بل القديم، ولم يخفف من وطأتها داخليا إلا الفزعة الوطنية لأهل الفاتح، التي غيرت ميزان ومسار الأحداث وخروج التجمع من بطن تلك الفزعة.
} المفردات الأربع الأهم هي:
١- ما هي الرؤية الاستراتيجية لدى التجمع من شكل ونوع العلاقة مع أطراف المعارضة الانقلابية، التي قامت معا بالحراك الطائفي في الدوار، وتحديدا من (الوفاق) باعتبارها الدينامو الأساسي الذي حاول شرعنة ذلك الحراك باعتباره حراكا شعبيا جامعا، ووطنيا وثورة ومطالبا بالاصلاح ومنتميا إلى ما سمي الربيع العربي، مع نكران أي تداخلات أخرى اقليمية أو دولية أو طائفية؟
٢- ما هو الموقف الاستراتيجي للتجمع من الدولة، وإن كان يصب في إطار تقويتها واسنادها أو اضعافها؟ ولماذا هذا الموقف أو ذاك؟ بشرطية أن تكون الرؤية نابعة بما يتناسب مع خروج التجمع للنور من أجله، وهو تمثيل أهل الفاتح وتمثيل موقفهم المعلن، وخاصة بعد أن أعلنوا بوضوح في أكثر من مناسبة وقوفهم الذي لا يحتمل الجدل مع شرعية النظام، وضد الحراك الانقلابي الطائفي والمطالبة بتطبيق القانون على ما تم ارتكابه من جانب أصحابه؟
٣- ما هي الرؤية الاستراتيجية للتجمع من التدخل الأجنبي أو تلاعبه بالمصير البحريني من خلال منظماته المسيسة أو ضغوطه أو اختراقه لوعي أهل الفاتح وتحديدا اختراق وعي المكون الأساسي فيهم، وخاصة أن التقرير ظهر والعبث بذلك الوعي في أوجه اليوم، مثلما (صناعة التذمر) بين أهل السنة تسير على قدم وساق ولأغراض معروفة؟
٤- ما هي الرؤية الاستراتيجية للتجمع من علاقته بأهل الفاتح أنفسهم، وإن كان يمثل نفسه وادارته وقيادته فقط أم هو بالفعل يمثلهم ويمثل موقفهم المعلن ورؤيتهم وهواجسهم تجاه المفردات الثلاث السابقة؟ فإن كان الوضع الراهن بعد مرور سنة مثلا هو ان التجمع يمثل نفسه، فإنه لا يحق للجمعية أو قيادتها أو كتاب تقاريرها الترويج لأنفسهم بأنهم يمثلون أهل الفاتح، أما إن كان الوضع هو الثاني، أي أن التجمع ملتزم بمن خرج سياسيا في إطار جمعية لكي يمثلهم فإنه مطالب باستشفاف مواقفهم وهواجسهم ورؤيتهم من الأحداث في عموميتها الرؤيوية وليست بالطبع في تفاصيلها الإدارية.
الذي اتضح من التقرير السياسي للأسف وبعد القراءة المتأنية هذه المرة أن هناك خللا رؤيويا كبيرا وفاضحا في الموقف الاستراتيجي من تلك المفردات الأربع التي خرجت مع الأزمة، وهذا حديث آخر نتمنى أن نوفيه حقه.
.
مقالات أخرى...
- الاستحواذ الحزبي على النقابات والمؤسسات المدنية.. إلى متى؟ - (4 يوليو 2012)
- حتى لا تتحول توصيات بسيوني إلى مكافأة للمتطرفين والإرهابيين - (3 يوليو 2012)
- توصيات بسيوني وآثارها السلبية: جمود النص وحركية الواقع - (2 يوليو 2012)
- حتى لا نتوهم أن توصيات بسيوني هي دستور البحرين - (1 يوليو 2012)
- ربيع «الإخوان» العربي - (28 يونيو 2012)
- التدخل الأجنبي: مسئولية الدولة والمجلس الوطني - (27 يونيو 2012)
- الانقلابيون ومسار اللعبة الأمريكية ـ الإيرانية - (26 يونيو 2012)
- المستعمرون يطرقون أبواب البحرين مجددا و«الوفاق» تفتح لهم - (25 يونيو 2012)
- جارودي: الروح المنفتحة على فضاءات الإنسانية والحقيقة - (24 يونيو 2012)