الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢٦ - الاثنين ٩ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٩ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


مشكلاتُ الفوائضِ الاقتصادية في الدول الخليجية





يعطي حراكُ الموادِ الخام المختلفة تكريراً وصناعاتٍ جانبي الأرباح والأجور، وبشكلٍ أساسيٍّ من خلالِ عمليات إدارية سياسية وتجارية.

الفوائضُ الاقتصادية بجانبها الأكبر شكلت القوى الاجتماعية المختلفة.

ونظراً لأن طبقتي الرأسمالية والعمال ليستا سائدتين ولا تقومان بتوزيع الفائض الاقتصادي حسب الإنتاج ومركزيته وقوانينه الموضوعية، فإن الاقتصاديات الخليجية تتوجه نحو تضخم الإدارات وتضخم الأعمال الخدماتية الكثيرة الغالبة المتسعة بأشكال مستمرة.

وجودُ الاقتصاد الحديث الرأسمالي العمالي الصناعي يوجدُ بنى اجتماعيةً تحديثية منتجة متصاعدة، كما يبني المؤسسات الاجتماعيةَ المختلفة التي توزعُ الفوائضَ حسب تطور الإنتاج، وتناميه وحسب إعادة تشكيله بصورة صناعية تقنية متصاعدة، مؤثرة في السوق العالمية.

الاقتصادياتُ الراهنة هي اقتصادياتُ استهلاكٍ واسعٍ؛ فثمة استهلاكٌ إنتاجي عبر بيع المواد الخام والمُصنعة، التي هي إضافة لأخطارها الصحية، تقدم جوانب استهلاكية للمصانع المحلية التي تحولها مرة أخرى للاستهلاك، وللمصانع الأجنبية التي تدخلها في تحولات صناعية كبرى كما تفعل الصين والهند، فتركزان على تحويل المجتمعين لتحولات صناعية تقنية علمية فيدخل البلدانِ في قممِ الرأسمالية الحديثة المتطورة.

فيما تظل دولُ الخليج مستهلكةً مستفيدة من الفوائض لمزيد من الاستهلاك الشخصي المتصاعد، الذي يعتبر هو كذلك نزفاً اقتصادياً على مستوى آخر.

الفوائضُ الخليجية تتوزعُ داخلياً بصور أغلبها غير إنتاجي، فتحوز المستوياتُ الحكومية والخاصة على أعلى معدل للفائض، فيما تتناقص مستوياتُ الدخول النازلة نحو الأسفل، فالموظفون في القطاعات العامة، ثم الموظفون الكبار في القطاعات الخاصة، ثم الجمهور العمالي الخليجي بدرجةٍ أقل، ثم الجمهور العمالي الأجنبي بدرجة الأقل.

تمضي الدخول ليس حسب الإنتاج، وبذل قوى العمل، ولهذا فإن عمالَ الإنشاءات والمقاولات الصناعية وغيرهم، وهم أكثر العمال من حيث بذل قوة العمل، فعليهم تأسيس القواعد الإنشائية والصناعية، يحصلون على أقل الأجور. رغم ضخامة بذل الطاقة والجهود وصعوبة الأجواء المناخية من حر شديد وتقلبات طقس صحراوي.

العملُ البسيط هنا يتشكل بجهود خارقة، وتأتي الأجور في مستوى الكفاف.

لكن من جهة هؤلاء العمال الأجانب رغم التحويلات المقطوعة ببعض الأرباح هم يساهمون في تأسيس بنى صناعية متطورة في بلدانهم. فهم يشكلون رأسمالاً إنتاجياً في اوطانهم فيما هم يساهمون كذلك في اقتصاد استهلاكي خليجي.

فأغلبُ الإنشاءات العربية الخليجية هي إنشاءاتُ خدمات، ومعدومةٌ أو نادرةٌ هي المشروعات التي تتجه لصناعة السلع المتطورة كالطائرات والسيارات والثلاجات وغيرها.

في حين أن دولتي الهند والصين تتشبعان من السلع الخليجية المصنعة فنجدُ المستقبلَ يحاصرُ السلعَ الخليجية، فيما الأسواق المحلية تطلبُ باستمرار سلعاً غربية ويابانية ذات أسعار مرتفعة وموديلات لا تتوقف عن التطور التقني غير الجوهري لكنها تستنزفُ الأسواق المحلية.

ضخامةُ الفوائض الناتجة من اقتصاد المواد الخام تقللا كثيراً عبر اقتصاد غير إنتاجي وغير متطور على المدى التاريخي، فالتآكلُ يشملُ انتقالاتها، وتوجهها لشراء العقارات والأسهم وغيرها، ويتفاقم التآكل عبر البذخ، والتركيز على المواد الاستهلاكية المرتفعة الأسعار دوماً.

وغدتْ الفوائضُ لدى جهات وشخصيات وقوى لا تحبذُ دورانَ رأس المال الصناعي البطيء، وهو دورانٌ بطيء يبدأُ من بناء المنشأة، حتى إنتاجها وصعوبة تسويقها لأسباب عدة، لكن الأصعب هو وجودُ علاقاتٍ متينة بين رأس المال الصناعي والقوى العاملة الخليجية، وبينه وبين العلوم والمدارس، والدوائر السياسية المسئولة، حيث يتطلب التحول علاقات مختلفة بين هذه القوى، وتطورات في توجه الفوائض وفي تغيير طبيعة التعليم وتغيير نسب المشاركين وجنسهم من السكان المحليين في الصناعات.

أي أن العملية تتطلب تحولات كبيرة في الإدارات وأعمال السكان وتغييرات جوهرية في التعليم والثقافة وتحديد سياسة الهجرة المفتوحة غير المخططة.

إن هذه التحولات حتمية للبقاء في العالم الاقتصادي المعاصر، ومنها يغدو حراك الفئات المتوسطة والقوى العاملة العربية لإعادة الاقتصاديات للتحولات العميقة والانتاج وتخفيض الاستهلاك البذخي وتحويل مؤسسات اقتصادية كثيرة نحو السلع الباقية الاستراتجية مسألة اجتماعية وسياسية ديمقراطية.

إن المُنتِجَ الصناعي الأجنبي في أغلب أعداده البشرية يحصل على جزء من قيمة لا تُقارن بما يحصله عليه الموظف المحلي الذي لا يقدمُ إنتاجاً ولا يصنعُ سلعة.

ولهذا فإن المستقبل هو في تغيير هذه العلاقة، حيث يغدو المنتجُ محلياً ويحصل على أجرٍ مرتفع، فيما تتقلصُ العمالةُ الأجنبية والأعداد الكبيرة من الموظفين المحليين غير المنتجين.

وهي تبدو معادلة سهلة لكنها صعبة وتاريخية



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة