الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢٨ - الأربعاء ١١ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢١ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

رأي أخبار الخليج


عصر الانحطاط وسقوط الأقنعة!





ربما لم يعرف التاريخ الإنساني هذا الكم الهائل من المتناقضات الإعلامية مثلما عرفه أو واجهه في هذا العصر الذي نعيشه، والذي أصبح فيه العالم بمثابة قرية كونية.

هذه المفارقة لا تنطبق على ما نشهده في منطقتنا العربية فقط بل تمتد إلى كل أرجاء العالم تقريبا.

والحقيقة اننا أمام كارثة معرفية بكل ما تعنيه الكلمة من معان ودلالات، فمن يصدق أن تصل الأمور إلى حد تغيير حقيقة الأخبار أو تغيير جوهر الخبر ذاته بالاستناد إلى مصادر غير مطلعة وغير مرتبطة لا بالخبر ذاته ولا بالقضية موضوع التغطية الإخبارية.

فيوم أمس الأول صدر حكم قضائي ضد المدعو نبيل رجب بالسجن مدة ثلاثة أشهر، لتعديه بالسب والقذف ضد أهل المحرق عبر ما كتبه على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر».

وحسبما جاء في الحكم القضائي، فإن المدعو قام بالإساءة إلى أهالي المحرق بألفاظ من شأنها التشكيك في وطنيتهم والنيل من اعتبارهم والحط من قدرهم بما يجعلهم محلا للازدراء.

وهذا بالطبع أمر غير مقبول لا أخلاقيا ولا وطنيا ولا علاقة له بحرية الرأي أو التعبير.

فهل من حق أي أحد كان أن يقوم بسب الآخر من دون أي مبرر ولمجرد أنه على خلاف في الرأي مع أهالي المحرق؟

وهنا ندلف إلى لب القضية التي نريد مناقشتها هنا، فهناك وكالتان غربيتان نقلتا خبر الحكم القضائي عالميا، وهما وكالة الأنباء الفرنسية ووكالة «رويترز» الإنجليزية.

ففي حين نجد أن وكالة الأنباء الفرنسية التزمت الموضوعية والقواعد المهنية المتعارف عليها في نقل الخبر من مصادره الحقيقية وهي هنا المحكمة من دون أي تعليق من جانب الوكالة الفرنسية، نجد أن وكالة «رويترز» تجاهلت الأسس المهنية المتبعة وقامت بصياغة الخبر بعقلية مسيسة قادت إلى تحريف الخبر جملة وتفصيلا لأغراض مشبوهة وبهدف توجيه القارئ أو المتلقي في اتجاهات معينة لا تخدم الحقيقة ولا المعرفة.

وهنا نسأل إدارة تحرير وكالة رويترز والقائمين عليها: أين مصداقيتكم في نقل الخبر؟ ولماذا تلجأون إلى أساليب التأويل والابتعاد عن القواعد المهنية في تناول الأخبار من دون تغيير أو إضافات هدفها اعطاء ايحاءات ورسائل مضللة للقارئ والمتلقي بما يخرج الوكالة عن الحياد الموضوعي في التغطية الإخبارية ويهز من المصداقية الإعلامية لها على نحو غير مسبوق.

غير أن الملاحظة المحورية لنا هنا، أنه يؤسفنا القول إن عددا من المؤسسات القائمة على العقلية الإنجليزية قد بدأت تترنح أخلاقيا ومهنيا سواء أكان ذلك في المؤسسات الإعلامية أم حتى المصرفية والمالية وبدأت تلاحقها الفضائح التي تتوالى من حين إلى آخر.

وهذا ما دفع البعض إلى القول إن هذا العصر يمكن أن يطلق عليه «عصر الانحطاط» للعقلية الإنجليزية بعد غروب زمن الامبراطورية التي كانت لا تغرب عنها الشمس.

المشكلة الماثلة أمامنا أن تلك المؤسسات الإنجليزية لا تستوعب حتى الآن حقيقة أن التضليل الإعلامي من غير الممكن الاستمرار فيه في هذا العصر الذي يشهد أكبر ثورة معلوماتية عرفتها البشرية على مر العصور سواء عبر شبكة الانترنت أو الفضائيات التلفزيونية أو عصر إعلام السماوات المفتوحة.

وقد كانت لنا في البحرين تجربة مريرة مع هيئة الإذاعة البريطانية أو شبكة الـ «بي. بي. سي» خلال شهور الأزمة التي واجهتها البحرين منذ فبراير عام ٢٠١١، وكيف رأينا إصرارا متعمدا من جانب الـ «بي. بي. سي» على تشويه حقائق الأوضاع في البحرين وتبني خطاب مضلل يهدف إلى زعزعة الاستقرار في البحرين وخدمة أجندات إقليمية ودولية مغرضة ومشبوهة، مع العلم أن الـ«بي.بي.سي» اعتذرت في الشهر الماضي عن عدم قدرتها على استنتاج الأمور الصحيحة خلال أحداث العام الماضي، ومن الواضح أن وكالة رويترز التي يديرها الإنجليز تسير في ذات الاتجاه المضلل والبعيد عن الموضوعية والقواعد المهنية في التغطية الإخبارية.

ولعل ما يؤكد ما نطرحه هنا، أنه حتى في القضايا السياسية الكبرى أو حتى القضايا الأمنية، فمن المؤسف القول إننا نجد المؤسسات الإنجليزية تحاول إما إخفاء الحقائق وإما عرض نصف الحقيقة أو تشويه الحقيقة تماما.

وهذا ليس بجديد، فمؤسسة «مردوخ» الإعلامية بما تمتلكه من شبكة هائلة من الصحف والمحطات التلفزيونية التي كانت تشكل لبريطانيا مبعث فخر واعتزاز، أصبحت اليوم تشكل وصمة عار تلاحقها الفضائح والقضايا المرفوعة عليها أمام المحاكم البريطانية من جهات متعددة، كما سبق لها أن تكبدت خسائر بالملايين دفعتها كتعويضات عن أخبار ملفقة وتغطيات غير نزيهة.

ولعل هذا ما دفع بعض المحللين إلى القول إن الدوائر البريطانية بعد أن فشلت في الاستمرار في لعب دور القوة العظمى، اتجهت إلى ممارسة لعبة تشويه الحقائق وصناعة الأزمات وإثارة الفتن الكبرى في المجتمعات الأخرى امتدادا للأدوار الاستعمارية الخبيثة التي طالما نفذتها الدوائر البريطانية في المجتمعات العربية والبلدان التي خضعت للاستعمار الغربي.

ولعل السؤال المطروح هنا: إلى متى تستمر هذه المؤسسات في هذا التردي والسقوط الأخلاقي والإعلامي؟ وهل مازالت تتوهم أن العالم مازال يجهل تلك الأساليب المضللة والخبيثة بعد أن تساقطت تباعا كل الأقنعة المزيفة ودعاوى الريادة الإعلامية والمهنية؟



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة