الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣١ - السبت ١٤ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الدينُ والاشتراكية (٢-٢)





مع تطور الاشتراكية من نزعةٍ شمولية إلى توجهات ديمقراطية متعددة، ظهرت دراساتٌ واتجاهات مختلفة فيها، لقراءة الظاهرة الدينية المعقدة.

تم تجاوز النظرة الهيجلية الشبابية في الاشتراكية الأولى وتوجه الوعي لدراستها حسب مستوى تطور العلوم الانسانية، انطلاقا من الجانبين المتضادين للدين باعتباره نضالا أو باعتباره دفاعا عن الاستغلال.

لدى أنجلز يبقى الدين كشكلٍ مباشرٍ للصراعات الاجتماعية، فهو إما احتجاج وإما مهادنة وتضليل، في حين أن الدين كذلك هو حياة روحية عميقة.

القراءة السياسية المباشرة للدين تنطلق من تصور الاشتراكية بأنها قاب قوسين أو أدنى من النصر ومن اكتساح العالم الرأسمالي وتغييره، وإلقاء كل (المخلفات) القديمة.

ستكون هذه الرؤية المباشرة الآلية سطحية، وسوف تُواجه بأشكال أكبر في عالم الغرب الثقافي، حيث تتصاعد العلوم والقراءات المختلفة للظاهرات الروحية، وخاصة أن الاشتراكية ذاتها تغدو ديمقراطية، بعيدة المدى، تراكمية، والأحزاب الاشتراكية تضم مؤمنين وملحدين، يعملون من أجل أهداف مشتركة في تحجيم الاستغلال وتوسيع الخدمات للمواطنين.

على المستوى الفلسفي تأخذ الدراسات آفاقها في طبيعة ومجتمع ذي قوانين، وتنفصل عن ممارسات سياسية متعددة الألوان في الجماعات الاشتراكية.

روزا لكسبمورج الزعيمةُ الاشتراكية الألمانية ركزتْ في نقد الطابع الرجعي للكنيسة وعادت لرموز المسيحية الأولى التعاونية الموحّدة للفقراء، فقامت بقراءة موضوعية وسياسة تعاون مع العمال المؤمنين.

وليس ذلك بغرض التكتيك السياسي بل بغرض الفهم الموضوعي للدين بإبراز جانبيه المختلفين، وهذا بحاجة دائما إلى قراءات تاريخية ونقدية للأديان والمذاهب وخاصة عبر المفاصل الكبيرة لها.

ولينين شجب الدين كضباب صوفي ولكن مال لرأي الاشتراكيين الأوروبيين في مرحلته الأولى بعدم جعل الإلحاد شرطا لدخول الحزب. ومع تصاعد الدكتاتورية لديه فإن الأمر سيختلف كثيرا في التجربة (الاشتراكية) الآسيوية.

وفيما ستتطور العلاقات بين الاشتراكية الديمقراطية الغربية مع الأديان فهما فلسفيا وممارسات تعاونية نضالية مشتركة، فإن الأمور سوف تتجه في الشرق إلى غير ذلك.

فمع تحول الاشتراكية إلى رأسمالية دولة تلغي إداريا المُلكية الخاصة ومؤسسات الانتاج الفردية، والأحزاب والمؤسسات الديمقراطية، فإن إلغاء الأديان يكون جزءا من هذه العملية.

فلم تكن هناك في روسيا وبعدها دول أخرى عديدة ثقافة ديمقراطية تنويرية واسعة، ولهذا كانت الأشكال الإقطاعية لوجود الأديان هي المهيمنة، وهي تتجسد في سيطرة المؤسسات الدينية ورجال الدين والذكور والمظاهر العبادية الحرفية، فإذا قضت روسيا على الإقطاع لكن ثقافته ظلت مستمرة حية.

لم تجرِ قراءاتٌ عميقة في فهم الأديان، ورؤية العناصر الإنسانية والديمقراطية فيها وهي خاصة التي ظهرت في المراحل التأسيسية، وتناثرت بعد ذلك في عناصر شخصية وفكرية.

ونظراً لوجود الاستبداد على مستوى الحاضر فإنه يتحول لشمولية تجاه الماضي الديني وعدم رؤية تبايناته، ومراحل تطوره، وعدم السماح بالحريات السياسية ينعكس في عدم السماح بالحريات الدينية، وتظهر علمنة ساحقة فاشلة.

وقد كانت المرحلة البنائية «النهضوية» في رأسماليات الدول الشرقية (الاشتراكية) حيث شُيدت آلاف المصانع وظهرت البنى التحتية الحديثة وانتشر التعليم، وشارك الملايين من العامة في العمل والدفاع عن الأوطان، في مرحلة المشاركة التعاونية المماثلة لبدايات الأديان، لكن بعد ذلك تغلغل الفسادُ في تلك الرأسماليات وتكشف طابعها الاجتماعي المتناقض، ولهذا فإن الايديولوجيا الاشتراكية الحكومية عكست مصالح السادة وليس العمال، ومن هنا حدثت الردة ولكن باتجاه الدين التقليدي، لأنه لم يحدث تنوير وديمقراطية خلال هذه العقود يتم فيها تطوير أوضاع الجماهير المادية والثقافية وفهم الماضي بشكل ديمقراطي إنساني.

وهو ما قامت به السياسات الاستعمارية الغربية كذلك عبر تصعيد التوجهات الرجعية والمحافظة في الأديان في العالم الثالث التابع، وهو ما أدى إلى انفجارات دينية وخاصة في المناطق الفقيرة التي لم تشهد حريات ثقافية وسياسية.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة