الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣١ - السبت ١٤ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


أهداف سياسية خلف القرار الرئاسي





الأسبوع الفائت يمكن وصفه بأسبوع الترقب وحبس الأنفاس في مصر ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، بعد أن أصدر الرئيس المنتخب حديثا الدكتور محمد مرسي قرارا بإلغاء قرار المجلس العسكري حل مجلس الشعب المصري، فكان قرار رئيس الجمهورية بمثابة الشرارة التي كادت أن تشعل حريقا من نوع آخر في مصر، حيث شكل صدمة لقطاع واسع من المصريين، وخاصة النخبة وفي مقدمتهم فقهاء القانون، وتحديدا الدستوريون منهم الذين اعتبروا خطوة رئيس الجمهورية بمثابة تحد ومخالفة لحكم المحكمة الدستورية العليا التي حكمت ببطلان مجلس الشعب، واعتبروا ما أقدم عليه الرئيس المنتخب السابقة الخطرة في مصر؛ إذ انها المرة الأولى في تاريخ مصر التي يقف فيها رئيس منتخب انتخابا ديمقراطيا في مواجهة سلطة القضاء.

قرار رئيس الجمهورية في جوهره يعتبر قضية قانونية دستورية من حيث جوهرها، وبالتالي أثارت جدلا قانونيا ودستوريا واسعا في الأوساط القانونية المصرية، لكنها في الوقت نفسه لم تكن خالية من النيات السياسية، الأمر الذي أثار زوبعة في الوسط السياسي المصري واعتبرها العديد من الأحزاب والقوى السياسية المصرية بداية لانقلاب اخواني على الدولة المدنية، ولوح البعض باللجوء إلى القضاء ليس بطلب إلغاء قرار رئيس الجمهورية وإنما لمحاسبته ومحاسبة رئيس مجلس الشعب الذي وجه الدعوة لأعضاء المجلس إلى انعقاده بمجرد صدور قرار الرئيس مرسي.

لست من رجال القانون لكني أميل إلى الرأي القانوني الذي يرى ان قرار الرئيس مرسي وإن عنون تحت مسمى «إلغاء قرار المجلس العسكري» إلا أنه من حيث الحقيقة يتعرض للحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا، إذ ان المجلس العسكري ليس هو الذي اتخذ قرار حل مجلس الشعب وإنما هو أداة تنفيذية لحكم المحكمة الذي قرر عدم دستورية مجلس الشعب، وبالتالي فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته السلطة التنفيذية المؤقتة التي كانت تدير شئون الدولة المصرية بعد الثورة، هو الجهة المخولة بتنفيذ أحكام القضاء.

أعتقد أن قرار رئيس الجمهورية الذي من المؤكد أنه صدر بعد استشارات ومداولات مع القانونيين الاخوانيين، كان يراد منه جس نبض الشارع المصري حيال الخطوات القادمة التي ربما وضعت على أرفف المطبخ الاخواني للفترة القادمة، وهذا ما يفسر ردة الفعل التي خرجت من أنصار حزب العدالة والحرية (الاخوان المسلمين) الذين أيدوا بشكل قاطع وبقوة قرار رئيس الجمهورية من دون أن يضعوا في الاعتبار القوة الاستقلالية التي يتمتع بها القضاء المصري واحترامه سيادة القانون.

من حيث العمل السياسي فإن لجماعة الإخوان المسلمين أجندة سياسية واجتماعية من المؤكد أنهم لم يسقطوها لمجرد أن الرئيس أطلق وعودا «تطمينية» لجميع المصريين، فهذه الجماعة لها برنامج عمل سياسي حتى الآن لم تقل انها تخلت عنه أو انها بصدد تعديله بما يتلاءم والمرحلة الجديدة التي انتقلت إليها مصر بعد الثورة التي شاركت فيها جميع القوى الوطنية المصرية ومن مختلف قواعدها الفكرية والعقدية، وبالتالي فإنه يمكن القول ان السفينة المصرية لم ترس بعد على بر الأمان بعد الانتخابات الرئاسية النزيهة.

فخطوة رئيس الجمهورية، أي القرار الرئاسي لم يكن موفقا من الناحية السياسية أكثر منه من الناحية القانونية، فهناك فقهاء قانونيون يرون في القرار عدم مساس باستقلالية القضاء، فيما يرى آخرون انه تعدٍّ على أعلى سلطة في مصر وتشكل الحصن المنيع في تاريخ الدولة المصرية، ومثل هذا الاختلاف في القراءة القانونية وارد ومقبول، ولكن إذا ما نظرنا إلى القرار الرئاسي بعيون سياسية، فإن الأهداف السياسية واضحة فيه وضوح الشمس وتؤكد المخاوف التي كانت تساور قطاعا واسعا من المصريين بشأن النيات غير المعلنة لجماعة الاخوان، وبالتالي فإن خطورة القرار الرئاسي تكمن في أنه كاد أن يدخل البلاد من جديد في دوامة سياسية وليست قانونية.

فهذا الصدام الذي أحدثه قرار رئيس الجمهورية المصرية يعطي مؤشرا على أن حالة عدم الاستقرار يمكن أن تستمر في مصر وخاصة أن البلد على موعد مع حكم قضائي آخر من المنتظر أن تصدره المحكمة العليا يوم الثلاثاء القادم بشأن اللجنة التأسيسية التي شكلها المجلس المنحل بهدف وضع دستور دائم لمصر، وهذه اللجنة مشكلة في غالبيتها من أعضاء حزب العدالة والحرية (الاخوان) وأشقائهم السلفيين، وعلى الأرجح وبحسب رأي خبراء القانون الدستوري فإنها معرضة للحل لأنها صدرت عن سلطة غير دستورية (مجلس الشعب المنحل)، وهو الحكم الذي إذا ما جاء حسب توقعات القانونيين فسيثير حفيظة الجماعات الإسلامية التي عولت على هذه اللجنة لوضع دستور يتماشى وتوجهاتهم الدينية.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة