صراعُ المحورين والثقافة الديمقراطية
 تاريخ النشر : الثلاثاء ١٧ يوليو ٢٠١٢
عبدالله خليفة
صراع محور الدول العربية ومحور إيران سوريا دخل لحظات حاسمة في بؤرة مركزية له، وغدت المذبحة في سوريا تعرية رهيبة لثقافة فاشية ليست لديها أي رحمة بالإنسانية.
الدول الشمولية الكبيرة والحركات السياسية التابعة لها في قارة آسيا حيث الدولة والجيش والمخابرات في نسيجٍ واحد تباينت بين المحورين، ثم تركزَ أغلبُها في المحور الإيراني السوري مع دعم قوي من روسيا.
ميراثُ الثوراتِ الشعبية انتكس وصعد ميراثُ الإصلاح الليبرالي الديمقراطي، وثوراتُ روسيا وإيران والصين وسوريا ارتدتْ عباءات أنظمة عسكرية ذات قوميات وطوائف مقهورة وعجزتْ هذه الأنظمة عن تفكيك هذه الكيانات السياسية الاجتماعية المعقدة.
مقاربة الليبرالية والديمقراطية والتسامح والشفافية وتعاون القوميات والطوائف وزحزحة الدولة الكلية ذات الصوت الشامل، لم تقم بها، وقامت ببعض مهماتها بعض الدول العربية، وعبرتْ الثوراتُ العربية عن تصعيد هذا الجانب.
فثمة ثوراتٌ فشلت وتحولتْ لدكتاتوريات وثمة اعتدالٌ تحول لثوراتٍ واعدة بديمقراطية وصفحة مختلفة عن شموليات آسيا الفظيعة.
حدث المفصل الناري في سوريا، وتوزعت الجهتان توزعاً حاداً يكاد يقاربُ حرباً شاملة. لكن دولاً كبرى لا تريد مثل هذه الكارثة الكونية وهي واقعية في هذا.
ويكفي تفاقم المجازر في سوريا ليوضح الطابع الفاشي الذي تغلغل في بعض هذه الدول والحركات، فأصبحت إرادةُ الانتصار لنهجٍ فاشل متدخل توسعي هي الهدف في حين لا يهملا سحل شعب.
نهجُ الإمبراطورية الشمولية العنيفة كما هُزم في الغرب يُهزم في الشرق، وآلةُ الدولةِ الاقتصادية الكبيرة الربحية المتداخلة مع جيش اقتصادي مخابراتي، في مجتمع القوميات والطوائف المضطهدة، نهجٌ لم يُحلْ عبرَ انفراج ديمقراطي تدريجي ونشر ثقافة تنويرية عقلانية إنسانية بين شعوب هذه الدول.
ولهذا فإن محورَ إيران سوريا يتمدد والثقافة الدموية في روسيا والصين باسم الثورة تتماهى مع ثقافة السحل في إيران وتتوهجُ وتتوجُ في سوريا.
غدا المحور ليس مناطقياً بل عالمياً يعبر عن صعوبات التطور في شموليات آسيا الكبرى، وحيث الجماعات الخاصة الحكومية لا تستطيع فك الارتباط مع أجهزة الحكم.
وهذا الملمح يدخلُ حتى في تكوين بعض الدول العربية التي لا تستطيع أن تقوم بالمهمات الليبرالية والديمقراطية بعمق، مما يجعل المحور الآخر يستغلُ موادَ الهياج الشعبية ويمحو بها الحدودَ السياسية والفكرية الفارقة بين المحورين.
موادُ الكذبِ والتزييف وثقافة غوبلز وزير الدعاية النازي تُنفَّذ الآن: (اكذب واكذب حتى يصدقك الناس). فلم تقم هذه الدول بمعالجات عميقة لتمركز سلطة المال والعسكر، وغدت مسائل الدعاية الصاخبة هي السائدة بدلاً من ثقافة النقد الذاتي والمراجعة والقبول بالآراء الأخرى، والتعصب المتشنج ويتم تغذية العامة بها ودفعها لروح حربية خطيرة على مستقبل الشعوب، وفيما روسيا والصين بارعتان في البحث عن مكاسب والتخلي عن الخاسر، فإن الحكومتين في إيران وسوريا وضعتا نفسيهما على حافة البركان جارّتين ذيولاً حركية وسياسية ودعائية إلى حومة التشنج، مستغلتين روابطهما وتباين مواقف الدول العربية ومستويات تطورها ومشكلاتها وعدم تجذر الإصلاح فيها، واختلاف مصالحها لمواصلة المجزرة في سوريا.
لهذا ستكون المشكلة اكبر غداً في وضع النظام الإيراني وتأزمه التاريخي، كما ستكون مشكلة روسيا الاتحادية أكبر بكثير، فغدت مسائل معالجات التاريخ الآسيوي الشمولي مطروحةً بقوة على جميع هذه البلدان مما يجعل القرن الواحد والعشرين هو قرنُ تفكك الدول الكبيرة عبر حروب وثورات داخلية رهيبة إذا لم تقم القوى السياسية الاجتماعية بمراجعة ذلك التاريخ الطويل من أسر الطبقات والقوميات والأديان والمذاهب.
ولا شك أن وقف مأساة سوريا هي البداية لمعالجة ظروفها، وإذا لم تقم بذلك وتوقعت الانتصار على الشعب السوري وساهمت في ذبحه فسوف تُوضع هي كذلك على أجندة شعوبها
.
مقالات أخرى...
- المقارباتُ الديمقراطيةُ مطلوبةٌ - (16 يوليو 2012)
- بين قطبينِ اجتماعيين مختلفين - (15 يوليو 2012)
- الدينُ والاشتراكية (٢-٢) - (14 يوليو 2012)
- الدينُ والاشتراكية (١-٢) - (13 يوليو 2012)
- ديمقراطيةٌ من دون برجوازية - (12 يوليو 2012)
- الطريقُ الجنوني للديمقراطية - (11 يوليو 2012)
- التنويرُ الاجتماعي - (10 يوليو 2012)
- مشكلاتُ الفوائضِ الاقتصادية في الدول الخليجية - (9 يوليو 2012)
- تداخلُ الاشتراكياتِ الخيالية - (8 يوليو 2012)