الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٦ - الخميس ١٩ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٩ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الإخوان المنشأ والتطور





تقلبتْ الأحوالُ والأهوالُ بهذه الحركةِ الطالعةِ من القفار ، وحين كان البدو يظهرون على مسرح القتال في صحارى التاريخ ، فكيف يتم جعلهم بناةَ حضارةٍ حديثة؟

في عملية تحديث الجزيرة العربية كان تحويل البدو إلى حركةِ الإخوان عملية صعبة طويلة، وهي عملية نهضوية، لأن من يمد يده للفقراء من طبقة عليا للتغيير وإحداث نهضة يشكلُ الحركةَ التاريخية المحِّولة للظروف، ويصنعُ خريطةً سياسية جديدة، ولهذا كان جذبُ البدو للحركةِ السياسية وتحويلهم لقوى عسكرية هزمتْ القوى الأخرى المفتتة، عمليةً شاقة، وتمتْ بتحضيرهم وإسكانهم في مناطق (الهجر) وجعلهم مزارعين ومقاتلين. وقد استطاع هؤء البسطاء الأميون أن يصعدوا على مسرح التاريخ، ويكتشفوا قوتهم الاجتماعية السياسية، والتي كان مستواهم المعرفي لا يتيح لهم إلا أن يفهموها في النصوص القرآنية بشكل مباشر حاد. الذكورية المستبدة والعداء للغرب الكافر والعداء للحداثة، هي الخصائصُ الغائرةُ لحركة الإخوان كما ظهرت في الرمال المتحركة الضارية في الصحراء العربية السياسية، ولم تفهم طبيعة الانتقال من العالم العشائري المغلق إلى المهمات البسيطة لتكوين دولة حديثة كإستخدام الآلات، وجلب الشركات الغربية لاكتشاف البترول، وفتح السفارات وغيرها. الفهمُ الإخواني المتشدد هذا يحولُ القبيلةَ المغلقةَ إلى نموذج يجب أن يُفرض على العالمين وإلا تحول لطائرات تضرب الأبراج.

وبهذا فإن الضربات العسكرية الملاحقة لهم تصفيةً وقتذاك كانت تترافقُ مع تكوين حركة سياسية دينية جديدة في مصر في نفس زمنية الاضطراب والتحولات في الجزيرة العربية تلك، وباسم الإخوان المسلمين، وعبر هجرةٍ فلاحية إلى المدن، وكان ابناءُ الفلاحين المتعلمين هم حفدة ومن جذور الصحراويين، لكنهم عاشوا في المدن وفي زمنية الانتقال الأوسع للحداثة والديمقراطية في القاهرة.

الجذورُ المحافظةُ لحركةِ فئاتٍ وسطى شعبية تظهرُ لتشقَ طريقَها نحو الحداثة تخلقُ هذين التناقض والاضطراب. إنها تكونتْ من إرثٍ شمولي عبر فهم الإسلام كما تكون في القرون الوسطى وعبر إنتاج الدول الاستبدادية، لكنها كذلك متأثرة بالحداثة والتقدم وتحاول أن تكيف أعضاءها على هذه القيم. هي لم تحسمْ أمرَها في المسائل المحورية للحداثة: تحرر النساء، والقبول بالمواطنة المنفصلة عن الأديان، وتقبل الديمقراطية الحديثة على الأسس العالمية الغربية.

وقد تنامت كحركةِ فئات وسطى عبر التداخل مع الفقراء من خلال إدخالهم في مشروعاتها الاقتصادية والخيرية، وأوجدت عبر هذا التداخل السياسي الاقتصادي العقائدي حركةً جماهيرية، فحملتْ جنينَ برجوازيةٍ تحديثيةٍ ذات أقدام في الجذور التقليدية.

أدى لجوؤها للعنف ومسايرة الدكتاتورية العسكرية لحركة يوليو إلى خلخلةِ التطورِ الديمقراطي الداخلي فيها، وتعقيد تطورها، فكانت أفكارُ سيد قطب والعودة للنزعة الإلغائية للديمقراطية والحداثة، شكلاً لدكتاتورية متذبذبة، وكان ذهابُ الكوادر للجزيرة العربية قد غذى فيهم النزعة الحنبلية القطبية وأوجد تيارات التكفير، والهجرة لكن غير الحضارية.

لقد تراجعتْ الحنبلية في العراق وفي العصر العباسي قبل قرون، وسكنتْ الصحراءَ والعلاقات الاجتماعية للبدو وكافحت التشرذم والتفكك السياسي والعودة للخرافات وعبادة القبور، ولكنها كانت نصوصية متشددة، وفي العصر الحديث راحت تبحث عن الاجتهادات والتفسيرات الفقهية الجديدة.

انقسامُ حركاتِ الإخوان المسلمين وافتراقُها بين إصلاحيةٍ متذبذبةٍ وشموليةٍ عنفية، بين الإخوانيةِ كاعتدالٍ، والقاعدةِ كإرهابٍ، بين الهجرةِ لتأسيس الشركات والخدمات المالية، وبين الهجرة والتكفير والسكن في الخرائب وكهوف أفغانستان ، ساعدَ على تناميهِ غياب الديمقراطيات والدول النهضوية المعتدلة وانتشار الدول الشمولية ودول رفعت شعارات ليبرالية وديمقراطية دون تطبيق حقيقي واسع.

عبرتْ حركاتُ الإخوان المسلمين عن فئات وسطى ذاتِ مواقف مختلفة تعكس درجات التطور في كل بلد، وفي مصر حيث التراث الجمهوري الشعبي والثورة العارمة، حصلت الحركة على السلطة التشريعية، ثم الرئاسة، فيما كتب أيمن الظواهري قبل فترة كتاباً سماه(الحصاد المر للإخوان المسلمين) اتهم فيه الحركةَ بتأييدها للدستور والديمقراطية ورفضها للعنف وقبولها بالتعايش مع الأحزاب العلمانية وقبولها المشاركة في تداول السلطة!

نموذج الإخواني لزمنية الحياة التقليدية يتجسدُ في كلام الظواهري وحركة القاعدة، وفيما حركة الإخوان المسلمين المندمجة في الحداثة والديمقراطية بأشكالٍ محدودةٍ تنتجُ ظواهر مختلفة وسلمية فيما تقوم حركةُ القاعدة بإنشاء الإخوان العسكريين الحربيين بعملياتهم العنيفة التخريبية وذوبانهم في الرمال السياسية الحارقة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة