صعوباتُ التراكمِ في الخليج بالقرن الـ ١٩
 تاريخ النشر : الأربعاء ١٨ يوليو ٢٠١٢
عبدالله خليفة
في منتصف القرن التاسع عشر بعد دخول قبائل العتوب شواطئ الخليج لعدة عقودٍ مضتْ ظهرت قوةٌ اقتصادية أساسها استخراج اللؤلؤ.
جَرت العلاقاتُ المالية جنباً إلى جنب مع العلاقات الاجتماعية القرابية، وهي التي أسستْ الروابطَ السياسية كذلك، ولهذا فإن الطرقَ العشائرية انعكست على كل مرافق التطور.
لقد كانت القبائل العربية تعيش على الغزو، وهو أساس يتعارض مع العيش المدني والاستقرار الاقتصادي، ولا يمكن أن يكونا معاً.
وأسس الاستقرار تطوراً مدنياً محدوداً قطعته العلاقات العشائرية التقليدية.
وإذا كان القسمُ الشمالي من العتوب قد سكن الكويت في جنوب العراق فلم تختلف طبيعة الصحراء لديه، وعاش أغلبه على التجارة، مع بقاء العلاقات الاجتماعية التقليدية، فإن العتوب في الوسط وجدوا المزارعَ والمغاصات الغنية فعرفوا صراعات كثيرة.
بيّن التراكمُ الاقتصادي ضخامة الثروة المفترضة في البحرين، فكان عددُ السفن إحدى وعشرين سفينة تجارية وخمسمائة سفينة صيد إلى جانب ألف وخمسمائة سفينة لصيد اللؤلؤ، وكان إيراد البحرين ٣٠ مليوناً من الروبيات الهندية في حين كانت الدول الأخرى أقل بكثير فقطر ١١ مليوناً والكويت ٨ ملايين. (حسب إحصائيات حكومة بومبي).
تتضح الثروة حتى على مستوى الشخصيات الفردية القبلية، حيث تتداخل قوى العمل مع نشاط القبيلة، فعيسى بن طريف وهو من الشخصيات المشهورة في الخليج في القرن التاسع عشر يمتلك: (٣٠ بغلات كبيرات إحداها مصفحة بالنحاس وتقوم بأعمال التجارة مع الهند وخمسة بتاتيل إلى جانب أحد عشر بتيلا من الحجم الكبير ومائة وثلاثين سفينة لصيد اللؤلؤ)، وهذه البتاتيل والبغلات هي من أنواع السفن الضخمة، وهي يمكن أن تتحول لسفن حربية عبر تركيب المدافع كذلك فتؤدي دورين متضادين.
وقد حدث نمو تجاري عبر هذه الأعمال الاقتصادية لكن كان ذلك بطيئاً، فالغوصُ يتم الاشتغال به على شكلٍ قبلي، وعبر أنصبةٍ متفاوتة، ويتحول الغاصة عبرها من دائنين للربابنة والتجار إلى مدينين لهم، ولهذا فإن نمو قوة العمل ورأس المال كان بطيئاً، حيث تتوجه أغلبُ الفوائض لقادة القبائل الذين يعيشون في عالمهم الاجتماعي السياسي التقليدي، سواء بامتلاكهم السفن أو عبر أنصبة الحكومة، وهو عالم سياسي لم يعرف الاستقرار فانعكس على تقطيع التراكم وإضعافه.
فالحياة لا تحكمها قضايا المعاش وضرورة تطور الاقتصاد والتنوع الاجتماعي الحر بل مشكلات رؤساء القبائل وصراعاتهم السياسية، فقد عاشت البحرين أغلب عقود القرن التاسع عشر في حروب بحيث ضاعت الفوائض الهائلة على هذا النزيف.
ولذا فإن الكثير من الفروع القبلية واصلت آنذاك أعمالَ الغزو، وتصادر لحسابها أملاك تجار أو سفناً أو بضائع على المستويين الخارجي والداخلي.
وإذا كانت المنامة هي السوق الرئيسية والمناطق الأخرى لقبائل تحمي نفسها بنفسها، فإن هذه العاصمة الاقتصادية تعرضت مراراً لمصادرة الممتلكات.
من هنا كان لابد من حماية شرايين التجارة المتجهة من الخليج للهند، وبالعكس، وهو أمرٌ أستغلتهُ قائدةُ الرأسمالية العالمية حينذاك وهي بريطانيا، ولهذا فإن أشكالَ التجارة ما قبل الرأسمالية تُصفى: القرصنة وتجارة العبيد، ويُحمى التجار، ولكن الكثير من التجار يغدون طارئين أو هاربين وطالبي حماية في موانئ أخرى، أو أجانب، وأهمهم كان الهنود المسمون (البانيان)، حيث يجثم هؤلاء قرب محلاتهم، أو فوق غرفها، قرب الميناء، فإذا حدثت أي أحداث لاذوا بالفرار ببضائعهم وأموالهم!
الاستقرار كما هو فعل أجنبي هو كذلك توجيه للفوائض نحو المراكز المالية الهندية - الغربية، لهذا فإن تقارير حكومة بومبي الإنجليزية تتابع بدقة نمو إنتاج اللؤلؤ بدرجة خاصة.
ويشير ذلك إلى حجم الازدهار التالي في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر.
أدى العنف خلال القرن المذكور إلى إهدار ثروة كبيرة، وحين جاء القرن العشرون كانت أوضاع البحارة والمزارعين رثة، وتشاهد بيوت سعف النخيل كأبرز مظهر سكان للأغلبية الشعبية.
.
مقالات أخرى...
- صراعُ المحورين والثقافة الديمقراطية - (17 يوليو 2012)
- المقارباتُ الديمقراطيةُ مطلوبةٌ - (16 يوليو 2012)
- بين قطبينِ اجتماعيين مختلفين - (15 يوليو 2012)
- الدينُ والاشتراكية (٢-٢) - (14 يوليو 2012)
- الدينُ والاشتراكية (١-٢) - (13 يوليو 2012)
- ديمقراطيةٌ من دون برجوازية - (12 يوليو 2012)
- الطريقُ الجنوني للديمقراطية - (11 يوليو 2012)
- التنويرُ الاجتماعي - (10 يوليو 2012)
- مشكلاتُ الفوائضِ الاقتصادية في الدول الخليجية - (9 يوليو 2012)