هل سيتأثر أداء الرياضيين بتلوث لندن؟
 تاريخ النشر : الاثنين ٢٣ يوليو ٢٠١٢
بقلم: د. إسماعيل محمد المدني
الضباب الضوئي الكيميائي الذي تحدثت عنه كثيرا في مقالات عدة، يزور الدول الأوروبية صيفا، أي في الأشهر التي ترتفع فيها درجة الحرارة وتزيد فيها الفترة الزمنية التي تطلع فيها الشمس مقارنة بأشهر الشتاء والخريف حيث تغيب الشمس عن الأنظار في معظم الأوقات من اليوم.
ولظهور أشعة الشمس علاقة مباشرة بنوعية وكمية الملوثات، فأشعة الشمس فوق البنفسجية تعمل كعامل مساعد في التفاعلات الكيميائية الضوئية التي تحدث بين الملوثات في الهواء الجوي، ومن أهم الملوثات هي أكاسيد النيتروجين والمركبات الهيدروكربونية، أو ما يُطلق عليه بالمركبات العضوية المتطايرة، حيث إن هذه الملوثات تتحد مع بعضها بعضا وتتفاعل وبوجود حرارة وأشعة الشمس تتحول إلى مجموعة خطرة من الملوثات وعلى رأسها غاز الأوزون السام، التي تكون سُحبا صفراء بنية اللون لا تخفى على أحد، وتهدد في مجموعها حياة الإنسان بالأمراض المزمنة والحادة.
فظاهرة تلوث الهواء تعانيها لندن منذ مطلع القرن التاسع عشر حيث الثورة الصناعية الأولى وولوج بريطانيا في عهد صناعة وتشغيل الآليات والمحركات التي تعمل بالخشب والفحم، ثم مشتقات النفط من ديزل وكاروسين وجازولين، فمنذ ذلك الوقت والهواء الجوي الذي يتعرض له المواطن يتغير حاله من سيئ إلى أسوأ، حتى وقعت الطامة الكبرى والكارثة العظمى في عام ١٩٥٢ عندما سقط أكثر من ٤٠٠٠ لندني صرعى خلال أسبوع واحد فقط. وبالرغم من الاجراءات التي اُتخذت لمنع وقوع كارثة مماثلة فان التحديات زادت ومصادر تلوث الهواء كثرت، وبخاصة من الأعداد المتعاظمة من السيارات التي تنبعث عنها آلاف الملوثات المسرطنة والمدمرة لصحة الإنسان.
والتقارير الرسمية الصادرة عن الحكومة البريطانية تؤكد الوضع المأساوي والخطر للهواء، حيث إن آخر تقريرٍ نشر يفيد بموت أكثر من ٤٠٠٠ لندني سنويا لأسباب مرتبطة بتدهور نوعية الهواء، وبخاصة من ناحية الدخان أو الجسيمات الدقيقة الصغيرة الحجم التي عادة ما تحتوي في بطنها على ملوثات سامة وخطرة، إضافة إلى ارتفاع تركيز أكاسيد النيتروجين التي تعتبر الأعلى مقارنة بالمدن الأوروبية الأخرى.
فهذا التدهور في نوعية الهواء لا شك أن له تداعيات صحية خطرة، وسيؤثر بشكلٍ مباشر في أداء وقدرة الرياضيين أثناء المنافسات الشديدة والقوية التي تدور بينهم في الألعاب الأولمبية، وبخاصة أنواع الرياضات التي تستغرق زمنا طويلا للقيام بها، وتحتاج إلى مسافات طويلة خارج الملعب الأولمبي الرئيس، مما يتطلب من الرياضيين قدرة عالية وتحملا كبيرا، فيبذل فيها هؤلاء اللاعبون قصارى جهدهم وكل ما أتوا من قوة وصبر، مثل سباق الدراجات للمسافات الطويلة، وسباق المسافات المتوسطة والطويلة، وبخاصة الماراثون، إضافة إلى سباق الشوارع والسباقات الأخرى التي تنظم في المواقع الخارجية.
وهذا التخوف من إضعاف قدرة اللاعبين وتأثرهم من ارتفاع تركيز الملوثات في الهواء الجوي، أمر واقعي ومشهود، فقد وقعت حوادث كثيرة في الألعاب الأولمبية السابقة، مثل الألعاب الأولمبية الصيفية في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية عام ١٩٨٤، عندما سقط العداء البريطاني ستيف أوفت (evO evetS) في السباق النهائي لمسافة ٨٠٠ متر وهو يعاني مشكلات في التنفس بسبب تلوث الهواء في مدينة لوس أنجلوس، التي تشتهر منذ الأربعينيات من القرن المنصرم بتدهور هوائها وانكشاف ظاهرة السحب البنية الصفراء اللون في سمائها بين الحين والآخر ولساعات طويلة من اليوم أثناء أشهر الصيف.
فهذه القضية جد خطرة، فهي تهدد حياة الناس في لندن، وحياة الرياضيين الذين جاءوا من كل حدب وصوب للمشاركة في المنافسات ورفع اسمائهم واسماء دولهم عاليا، كما ان هذه القضية ستشوه سمعة بريطانيا ولندن خاصة، إذا لم تحقق هذه الدورة الأولمبية نجاحا باهرا وملموسا من خلال تحطيم الرياضيين للأرقام القياسية الأولمبية والدولية السابقة.
hb.moc.ocletab@wptfcnb
.