٤٢ عاما من الفراغ على رحيل عبدالناصر و٦٠ عاما على ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢
 تاريخ النشر : الاثنين ٢٣ يوليو ٢٠١٢
بقلم: محيي الدين بهلول
في اليوم الذي ينشر فيه هذا المقال، يكون قد مضى ٤٢ عاما من الفراغ على رحيل عبدالناصر و٦٠ عاما على ثورة يوليو ١٩٥٢ وما أسرع ما تمضي الأيام! ٤٢ عاما على وفاة هذا الزعيم الخالد الرئيس جمال عبدالناصر، إن رحيل هذا البطل الذي رفع لواء مسيرة النضال العربي في طريق العزة والكرامة والوحدة والرسالة التي استشهد في سبيلها وهي النضال من اجل الوحدة العربية، إذ لا يمكن لأحد مهما كان أن يساوم على عبقرية الرئيس عبدالناصر بإيمانه وإدراكه.
إن مستقبل مصر إنما يكون بالترابط والتكامل والتفاعل مع غيرها من البلاد العربية وفي الوقت نفسه كان يرى انه لا مستقبل كذلك لأي قطر عربي آخر بدون هذا الترابط والتكامل والتفاعل، ومما تقدم فان ثورة عبدالناصر فجر يوم ٢٣ يوليو ١٩٥٢ متصلة بالثورات المصرية وهي امتداد لها كثورة عرابي ١٩١٩، وثورة سعد زغلول، وثورة ٢٥ يناير .٢٠١١ وعلى الكثير من الناس في مصر أو الدول العربية ألا يساورهم أي شك ان ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، قد انتهت وولى زمانها فهذا وهم وعدم إدراك وانه لعمري هل يستطيع احد أن يقول للتاريخ ارحل؟ أبدا أبدا، إن حياة الرئيس جمال عبدالناصر وشخصيته الثورية اكبر من ذلك بكثير وان تاريخ حياته وشخصيته القومية تحتاج لو تطرقنا لها إلى مجلدات كثيرة وفوق هذا وذاك فهذا الزعيم الخالد تعرفه كل الشعوب العربية، ولكن للتاريخ حديثا.
ولد الرئيس جمال عبدالناصر في ١٥ يناير ١٩١٨ بمدينة الإسكندرية من أسرة مصرية نشأت في قرية بني مر مركز أسيوط، استهل دراسته الابتدائية بالإسكندرية وحصل على شهادة البكالوريا في يونيو سنة ١٩٣٦، تحول إلى الكلية الحربية ولم يقبل طلبه فتحول إلى كلية الحقوق ومكث بها خمسة أشهر، ولكنه عاود ثانية فتقدم إلى الكلية الحربية في مارس ١٩٣٧ وكان عمره آنذاك ١٩ سنة فقبل، تخرج في هذه الكلية في الأول من يوليو سنة ١٩٣٨، حصل على درجة جيد في العلوم العسكرية وتمت ترقيته إلى رتبة ملازم أول في مايو سنة ١٩٤٠، وفي سبتمبر ١٩٤٣ رقي إلى رتبة يوزباشي، وفي ٧ فبراير سنة ١٩٤٣، انتدب مدرسا في الكلية الحربية، في نوفمبر سنة ١٩٤٥ التحق بكلية أركان الحرب، وفي ٣ يوليو سنة ١٩٤٦ نقل إلى كتيبة البنادق السادسة، في ١٢ مايو سنة ١٩٤٨ تخرج في كلية أركان الحرب، في ٧ يوليو سنة ١٩٤٨ رقي إلى رتبة الصاغ ا.ح، في عام ١٩٤٩ منح النجمة العسكرية والمشبك، في ١٧ يوليو سنة ١٩٤٩ انتدب مدرسا بمدرسة الشؤون الإدارية، وفي ٢٩ نوفمبر سنة ١٩٥١ ندب مدرسا في كلية أركان الحرب، في ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢ قاد ثورة فحطم الملكية والإقطاع والاستعمار، واستطاع هذا الزعيم الخالد أن يحقق لمصر الجلاء التام عن الوطن. عاش عبدالناصر ثائرا قويا بنفسه لا يسند من عظيم أو كبير، بل انه كان يقاوم العظماء في ذلك الزمان، رجلا وإنسانا وزعيما بنى نفسه كالطود، وظل على هذا الطريق، وفي هذه الذكرى على رحيله إذ فقدت الأمة العربية من المحيط إلى الخليج زعيما عمل من اجل المبادئ وحرية الشعوب، وفي هذه الذكرى لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ العظيمة، لعل الكثير من القراء ولاسيما أولئك الذين لم يواكبوا مسيرة هذا الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، اخترت لهم مقاطع من واحدة من خطبه لتصل إلى مسامعهم ليعرفوا من هو جمال عبدالناصر:
في الثالث من يوليو عام ١٩٦٧ وفي العيد الخامس عشر للثورة شرح الزعيم الخالد جمال عبدالناصر الظروف والأسباب التي أدت إلى ما حدث في ٥ يونيو ٦٧ واضعا الحقائق أمام الجماهير، كما حدد الطريق الذي لابد من اجتيازه، قائلا أيها الاخوة المواطنون يأتي الينا هذا العيد الخامس عشر لثورة يوليو ١٩٥٢، ونحن نعيش في أزمة لا نبالغ إذا قلنا إنها من أقصى ما نواجهه في تاريخنا الثوري، واستطرد قائلا: لم يكن قبول شعبنا لتحدي بناء السد العالي سهلا أو هينا كل هذا لم يكن سهلا فلقد واجهنا ضمن هذه المسؤوليات وقوفنا إزاء محاولات غزو سوريا سنة ١٩٥٧ وقبولنا بتبعات الوحدة وتبعات الانفصال ووقوفنا إزاء محاولات ضرب الثورة العراقية ١٩٥٨ وصمودنا وراء الثورة الجزائرية من ١٩٥٤ إلى ١٩٦٢ وانتصارها إلى جانب الثورة اليمنية وتأييدنا لثورة الجنوب العربي حتى آخر مشكلة واجهناها ولقد كانت بدايتها محاولة لغزو سوريا.
أيها الاخوة المواطنون لا أريد أن أعود بكم مرة أخرى إلى الظروف التي مهدت لهذه الأزمة التي صنعتها فلقد سبق أن شرحت لكم في حديثي للأمة يوم ٩ يونيو ٦٧ في أعقاب النكسة مباشرة وكذلك لأنني أدرك ويجب أن ندرك جميعا ان ما جرى قد جرى ولا فائدة من الوقوف عنده والبكاء على أطلاله واهم منه الآن أن نتعلم منه درسه وعبرته وان نتجاوز النكسة ونرتفع فوقها ونواصل طريقنا بالنصر إلى امالنا، وفي ذلك فاني أرى انه لابد من الوقوف أمام بعض المسائل الهامة لكي يكون أمامنا جميعا اكبر قدر ممكن من الوقوف، وبهذه المقدمة تطرق الزعيم الخالد جمال عبدالناصر إلى ٧ مسائل كانت بمثابة حقيقة العدوان على الأمة العربية.
المسألة الأولى: التي يجب أن تكون واضحة أمامنا جميعا اننا لم نكن البادئين بتأزيم الموقف في الشرق الأوسط كل ما نعرفه ان هذه الأزمة بدأت بمحاولة إسرائيل غزو سوريا، من المؤكد لنا جميعا ان إسرائيل في هذه المحاولة ما كانتش بتعمل لحسابها وإنما كانت تعمل أيضا لحساب القوى التي ضاقت ذرعا، بحركة الثورة العربية، المعلومات التي جاءت لنا عن غزو سوريا كانت من مصادر متعددة كانت هناك معلومات من إخواننا السوريين بأن إسرائيل قد حشدت أمامهم ثمانية عشر لواء وقمنا احنا بتحقيق هذه المعلومات وتأكد لنا ان إسرائيل تحشد أمام سوريا ما لا يقل عن ثلاثة عشر لواء، كانت بيننا وبين سوريا اتفاقية للدفاع المشترك ونحن لا نعتبر اتفاقيتنا مع شعوب امتنا العربية او مع غيرها (حبرا على ورق) ولكننا نقدس هذه الاتفاقيات ونعتبرها شرفا والتزاما وكان بيننا وبين سوريا كما كان بيننا وبين أي شعب عربي وكما سيكون بيننا وبين كل شعب عربي ما هو أبقى واكبر من الاتفاقيات والمعاهدات، كان هناك وسوف يكون هناك دائما إيمان بالنضال المشترك وبالمصير المشترك ولذلك فقد كان محتما علينا أن نتحرك عمليا لمواجهة الخطر على سوريا.
المسألة الثانية: كان عندما قررنا التحرك نفذت عن تحركنا اثار عملية أو حاجة، إننا طلبنا سحب قوة الطوارئ الدولية، بعدين أعدنا تطبيق حقوق السيادة المصرية على خليج العقبة كان ذلك من الأمور التي ألح علينا إخواننا العرب وطالبونا بها ومن الطبيعي كانت لهذه الآثار نتائج كبيرة في المنطقة وفي العالم.
المسألة الثالثة: إننا بتحركنا ببدء المبادئ بدفع الخطر عن سوريا كنا ندرك اننا وخصوصا من وجهة نظر دولية ان نبدأ بالضربة الأولى في معركة مسلحة ولو كنا اتبعنا ذلك لكنا عرضنا أنفسنا لعواقب وخيمة تزيد عما كان في مقدورنا احتماله، ولقد كان أول ما سوف نواجهه هو عمل عسكري أمريكي مباشر ضدنا يجد الحجة والعذر من اننا أطلقنا الرصاصة الأولى للمعركة.
المسألة الرابعة: إننا تعرضنا لخديعة دبلوماسية لعملية تضليل سياسي خطيرة لم نتصور أن تقدم عليها دولة كبرى أو قوة كبرى، الخديعة السياسية كانت من أمريكا، خطابات الرئيس الأمريكي ومناشدات الرئيس الأمريكي وطلبوا مننا أن احنا نتعاون مع السكرتير العام للأمم المتحدة وكلامه انه مستعد يبعث نائب الرئيس وانه مستعد يبحث معنا كل الأمور والوسائل التي تخرج العالم كله من الأزمة (معنى ده إيه؟) معناه انه كان فيه نشاط سياسي ودبلوماسي واسع المدى وكان يحق لنا معه أن نتصور ان الانفجار لم يجئ سريعا.
المسألة الخامسة: مع ذلك وبالرغم من ذلك كنا غير مطمئنين لهذا كله وكنا ندرك انه شيء يدبر وانه لن يتأخر وكان باين إن فيه حاجة تدبر ضدنا وفي إحساس كنت اشعر دائما من سنتين في شيء سيدبر من يوم قطع المعونة الأمريكية ومن أيام التهديدات التي وجهتها لنا أمريكا بأن احنا لا نسلح ولا نكبر جيشنا ولا نسير في التطوير الفني ولا التطور العسكري ولما حشدنا القوات في تقديري كان احتمال الحرب بالنسبة لي في تقديري ٢٠% وقبل غلق خليج العقبة عملنا اجتماع للجنة التنفيذية العليا كان هذا الاجتماع عندي في البيت بحثنا موضوع غلق خليج العقبة، الاجتماع كان يوم ٢٢ مايو ١٩٦٧، قلت لهم في الاجتماع إن احتمال الحرب ٥٠%، في اجتماع آخر قلت احتمالات الحرب ٨٠%، في يوم ٢٣ مايو أعلنا إغلاق خليج العقبة بالنسبة للسفن الإسرائيلية، بعد كده التغيرات السياسية التي تمت في إسرائيل في بداية شهر يونيو ٦٧ ومع متابعتنا لما يجري هناك أصبح احتمال الحرب ١٠٠% يوم الجمعة ٢ يونيو ذهبت بنفسي إلى القيادة العليا للقوات المسلحة وحضرت اجتماع حضره كل المسئولين العسكريين الكبار للقوات المسلحة وقلت في هذا الاجتماع يوم الجمعة ٢ يونيو انه لابد لنا ان نتوقع ضربة من العدو في خلال ٤٨ ساعة إلى ٧٢ ساعة لا تتأخر عنها أبدا على أساس كل ما كانت تشير به دلائل الحوادث والتطورات، وقلت أيضا في هذا الاجتماع إنني أتوقع أن يكون العدوان يكون الاثنين ٥ يونيو وان الضربة الأولى ستوجه إلى قواتنا الجوية وكان موجودا في هذا الاجتماع قائد القوات الجوية.
المسألة السادسة: بعد ما حدث انه من الضروري أن نسلم بأمانة وقرار ان المعركة المسلحة لم تسر كما كنا نتوقع وكما كنا نتمنى ولقد جاءت مصداقا للحكمة القائلة (انه لا يغني حذر من قدر) وأريد الآن أن أتحدث عن الأسباب ولا ارضى لنفسي ولا لهذا الشعب أن نقوم والمعركة مازالت مستمرة بتوزيع المسؤوليات، هذا موضوع يملكه تاريخ شعبنا ونضاله، كنت أريد أن أتحمل المسؤولية وامضي وكنت أريد أن يعرف أعداء الشعب المصري وأعداء الأمة العربية أن المسألة ليست عبدالناصر ولا مطامع عبدالناصر كما يقولون، إن نضال الشعب المصري بدأ قبل عبدالناصر وسوف يمضي بعد عبدالناصر والأمة العربية سعت بها لوحدتها قبل عبدالناصر وستسعى بعد عبدالناصر ولقد كنت أقول دائما ومازلت أقول إنني لست قائد هذا الشعب وقصارى ما يمكن أتمناه لنفسي من شرف أن أكون تعبيرا عنه في مرحلة معينة من نضالنا المستمر قبل أي فرد وبعد أي فرد.
المسألة السابعة: تتعلق بالدور الأمريكي الكثير من الدور الذي لعبته أمريكا مازال غامضا والقليل منه هو الذي نعرفه ولكن أمريكا لعبت دورا في هذا العدوان كان خديعة لحساب مين؟ إذًا علينا نتساءل طبعا خديعة لحساب العدوان الإسرائيلي الاستعماري خديعة لحساب خطة أمريكية وضعت ودبرت لينا من سنين والغرض منها القضاء على الأنظمة الثورية الحرة اللي ما تسمعشي كلام الدول الكبرى واللي ما ترضاش تقعد في مناطق النفوذ.
أيها الاخوة إنني لم اعتبر لدقيقة واحدة إن خروج جماهير شعبنا برغم الظلام وبرغم غارات العدو مساء يوم ٩ يونيو تكريم لشخصي وإنما اعتبرت ان ذلك الموقف كان تصميما على نضال الشعب ولقد قلت مرات عديدة إن هذا الشعب قد أعطاني أكثر مما حلمت به في اي يوم من الأيام ولقد رفعت صوتي أكثر من مرة من الاعتماد على الفرد لان كل فرد له دوره يؤديه ويمضي ويبقى الشعب وحده من الأزل إلى الأبد وإذًا فمن هذه الناحية ليس عندي ما أقوله.
لقد كان موقف شعبنا يوم ٩ و١٠ يونيو أكثر مما استحق وأكثر مما يستحقه أي فرد ولكنه بالنسبة لي كان يحمل معاني أخرى معنى استمرار النضال ومعنى استعداد الشعب لكل التكاليف والتضحيات ومعنى التصميم على المقاومة والصمود، وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.