ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ومصر الجديدة
 تاريخ النشر : الاثنين ٢٣ يوليو ٢٠١٢
بقلم : يحيى علي المجدمي
في يوم ٢٣ يوليو من عام ١٩٥٢قامت الثورة المصرية التي تعد من الثورات البيضاء التي تلاحمت فيها القاعدة بالقادة الضباط الأحرار، ومع مرور الزمن ها هي سنوات انطوت من عمرنا بحلوها ومرها بآلامها وجراحها، ولكن تبقى ذكرى ثورة ٢٣ يوليو عنوانا للطموحات والاحلام والثقة بالنفس والبقية الباقية من الكرامة والعزة والاستقلالية، ولتكن هذه الامة حاضرة لتحقيق الاهداف التي تأخذنا الى الغاية وليست الى الوسيلة التي يعمل بها بعض الساسة الذين يعملون بقواعد وأوامر أصبحت تأتينا من الغرب، فاليوم نعيد الذكرى حين تحتفل الأمة المصرية التي لبست ثوبها الجديد بعيد ثورة ٢٣ يوليو التي قامت بسبب الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي عانت منها الأمة المصرية، فكان لابد من التغير واسترجاع الحقوق والثروات الاقتصادية والزراعية من الاقطاعيين والمستعمرين.
- اليوم وبعد مرور ٦٠ عاما، حنين الثورة وصلابتها وقوتها وذكرياتها العطرة مازالت في القلوب، نتنفس منها بكبرياء العزة والصمود، وقد أدت فعالياتها إلى الوعي القومي العربي ويقظته أمام المؤامرات والدسائس التي كانت تحاك ضد الأمة، فقد أحس الزعيم جمال عبدالناصر باللعبة المحبوكة التي رسمها الاستعمار بكل أشكاله الذي كان يريد جر الامة إلى مصائد الحروب أو إلى طاولة الاستسلام بثمن الكرامة والاستقلالية، ولكن شعوبنا اتحدت وتضامنت، وكان ذلك واضحا عند العدوان الثلاثي على مصر، فعندما تحدث جمال عبدالناصر في أولى كلماته عن الحقوق المصرية جاءت قناة السويس.. باسم الأمة نحن جمال عبدالناصر رئيس الجمهورية، مادة واحد تأمم قناة السويس كشركة مصرية مساهمة.. من هنا بدأ الترتيب للعدوان الثلاثي بقيادة بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وبدأت المعارك الطاحنة بينهم وبين الجيش المصري الباسل تأخذ مجراها، ولكن الشعب المصري اخذ يقاوم في الشوارع ومن بيت إلى بيت وكان معهم العرب من المحيط إلى الخليج العربي، تضامنوا مع مصر وزعيمها عبدالناصر الذي احب مصر والأمة وكان يقسو على قلبه من اجلهما، ولكن فى اليوم التالي حين يسمع او يلقي نظرة على الأحداث يقف في ثبات وعزم وقوة حتى ترتد إليه الثقة التي أعطاها إياها شعبه المصري الأبي، الم تأت ثورة ٢٣ يوليو بالصناعات الثقيلة؟ الم يحل المواطن المصري مكان الأجنبي؟ الم يعمل كل المصرين في ذلك الوقت في بلدهم؟ نعم كان ذلك واضحا عندما سحبت بريطانيا وفرنسا خبراءها من سير العمل في قناة السويس ففي غضون شهرين استطاعت القوى العاملة ومعهم المهندسون والمرشدون للسفن من أبناء مصر أن يديروا القناة بكل جدارة وكفاءة أذهلت الخبراء الأجانب، الم يرفض الشعب المصري كله استقالة الرئيس عندما قدمها للشعب بعد نكسة ٥ يونيو؟ الم تكن تلك الظاهرة الشعبية تصويتا جماعيا لاختياره رئيسا لمصر رغم النكسة الكبرى؟ ففي كل الأحوال فالخصوم وأنصارهم طالما يبثون السموم وينشرون أباطيلهم من الكذب ضد الزعيم وثورته الكبرى وكانوا ومازالوا ينتقدون كل صغيرة وكبيرة ويعبثون بتاريخ ومسيرة الثورة ويتهمونها بالفساد والاستبداد الى ضياع الجيش في حرب اليمن وقرار تأميم القناة التي كانت سببا في العدوان الثلاثي الى نكسة ٥ يونيو ، أساطير وأكاذيب سطرت في الكتب والصحافة وفي الإعلام المضاد مع تشويهات مدسوسة ومدفوعة الثمن من الاعداء وخونة الأمة لتشاع الشكوك بين عقول الأجيال القادمة ولتضليل الرأي العام،لكننا اليوم وفي المقابل نجد إن المؤرخين ومعهم أغلبية الشعوب قد اجمعوا على أن ثورة ٢٣ يوليو وقائدها عبدالناصر وبتأييد من الشعب المصري ومساندة من الجيش مباشرة وبثورة بيضاء اندلعت ضد ظروف بالغة القسوة تمثلت في سيطرة الأجانب على خيرات الوطن ومقدرات الشعب المصري.
أثناء العدوان الثلاثي وعندما كانت بلادنا واقعة تحت النفوذ البريطاني في ذلك الوقت خرجت الجماهير الكبيرة في المحرق الباسلة الشماء وفي المنامة رافضة العدوان على الشقيقة مصر يفتحون صدورهم ويستنكرون بحناجرهم مستقبلين وزير خارجية بريطانيا السيد سلوين لويد بالمظاهرات والهتافات المضادة تطالب بريطانيا وأعوانها بوقف العدوان على مصر وشعبها العربي الكبير، وكان ذلك الإجماع العربي هو جزء من راية القومية العربية (وشعبا واحدا لا شعبين من مراكش إلى البحرين) سببا معنويا من أسباب فشل العدوان الثلاثي على مصر فقد وقفت الشعوب وزعماؤها من خلال التضامن العربي يدا واحده وقلبا واحدا مما جعل العالم يحس لأول مرة بقوة العرب وتضامنهم «يا جمال اشتد اشتد فلسطين من بعد السد» وهكذا تمر السنوات بسرعة البرق وتختفي هذه الشعارات فبعدما كانت الدول العربية تتحرر من الاستعمار البغيض أصبحت اليوم لقمة سهلة للاستعمار الجديد ولكنها من خلال الخونة والحاقدين وبأموال أجنبية ، فأين العراق؟ وماذا حدث لدولنا العربية الأخرى؟ إنها مأساة تحتاج إلى سنوات طويلة لترميمها وإعادة صفوفها ووحدتها وكرامتها.
نبتعد قليلا عن السياسة حيث يحلو لنا أن نأخذ هذه القصة المؤثرة مع زوجة جمال عبدالناصر السيدة تحية... عند عودة الزعيم من زيارة له من ليبيا وبينما القطار يقترب من منطقة برج العرب في القاهرة سألته السيدة زوجته وهي تشير إلى أراض خضراء مزروعة وسط الصحراء هل هذه أراضي مشروع؟ فأجاب عبدالناصر بصوت حزين - كلا - إن هذه أراض لاتزال تزرع بمياه الآبار، انظري إلى هؤلاء الصبية من البدو أترين كيف يعيشون حفاة فوق الرمال الساخنة ، نحن لم نصل بعد إلى ما أريد، إن هدفي أن يكون كل هؤلاء الصبية مثل ابني خالد، كان هذا الرجل فخورا بشعبه وكان يشعر بالعزة لانتمائه له واخذ بيد الفقير والفلاح حتى وصل به الأمر أن يفتح التعليم والصحة للجميع وأصبح الصعيدي الفلاح هو الوزير والسياسي والنائب والطبيب والدكتور والمهندس والمعلم والكاتب وبني السد العالي الذي أنقذ مصر من الفيضان ولم يرضخ للصندوق الدولي وجعل من مصر دولة متقدمة في الصناعات الثقيلة ، ومن صفات زعيم ثورة ٢٣ يوليو انه كان يحب الهدوء وكان خجولا ولا يحب التحدث عن احد في غيبته وكان يترك المكان اذا تحدث فيه رفاقه عن انسان غائب، هذا الرجل كان يعمل لمصر والأمة انه ليست له اطماع ولم يحقق شيئا يذكر سوى أفكاره وصفاته التي يتذكرها الناس اليوم وهم في محنة تلو محنة اخرى وكان يعمل كل هذا لمجرد ارضاء الله والضمير والوطن والشعب حتى مات شهيدا من اجل أمته وكان ذلك بعد أن استطاع أن يوقف نزيف الدم العربي بين الإخوة الفلسطينيين والاردنيين فقد استشهد مباشرة بعد انتهاء مؤتمر القمة العربي الذي عقد من اجل العرب في القاهرة.
يقول جول جوستن رجل المخابرات المركزية «للأسف لا توجد أي رذيلة عند عبدالناصر... ولهذا فشراؤه غير ممكن. وصعب جدا.. ورغم أننا نكرهه اشد الكره... فنحن لا نستطيع أن نفعل ضده شيئا.. لان قاعدته الشعبية كبيرة وقوية. فهو نظيف إلى أقصى حدود النظافة».
ظل السجال يدور حول ثورة ٢٣ يوليو وزعيمها عبدالناصر فهناك القاعدة الشعبية التي نالها الزعيم بصموده البطولي حين وضع الكرامة والاستقلالية لمصر فوق كل الاعتبارات وهناك من تعاطى مع عبدالناصر على انه وقع تحت وطأة مساعدين ورفاق يغرقون في الفساد وسوء الادارة واحتكار السلطة فراحت الاتهامات المتبادلة تغذى ما سعت إسرائيل وبريطانيا إليه للإيقاع بين الدول العربية واثاره الشكوك حول اهداف عبدالناصر القومية واستطاعت قوى الاستعمار أن تزرع في النفوس العربية الضعيفة تلك الرؤية الخائفة الخاطئة فجرتها الى طريق السلام المشروط عند موقع الضعف والاستكانة ذلك السلام الذي لم يكن أبدا في اتجاه مصالح الامة ولم يكن في الخط المستقيم ففي كل مناسبة هناك منحنيات وانكسارات وانبطاحات في حقيقتها هي هزائم انزلتها الفتن نتيجة الصراعات وضعف مجتمعاتها الداخلية وحروبها الاهلية كما هو الحاصل اليوم في العراق وليبيا وسوريا والسودان والصومال كل هذه المصائب كانت تأخذ حيزا في فكر عبدالناصر، فكان يتألم اذا حدث نزاع بين دولة عربية مع شقيقتها الاخرى ويتحرك بادراك بوضع الامور في مواقعها الطبيعية ويبذل كل المحاولات في استيفاء ما هو ايجابي ولفظ ما هو سلبي، وكثيرا ما يحصد النتائج وتعود المياه الى مجاريها فقائد ثورة ٢٣ يوليو كان يواجه لقاء الذل بكلمات الإباء بثقة من شعبه المصري فيقول « أيها الإخوة المواطنون كنت ابذل جهدا كبيرا ليخرج صوتي مسموعا وطبيعيا ولكن بعد دقائق وجدت في هذا الشعب الطيب العظيم ما كنت أومن به دائما أنه فيه».
.