الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٧ - الاثنين ٣٠ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١١ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثورة السورية.. تفتيتُ صخرةِ الجيش







تفجرتْ أحداثُ الثورة السورية بشكلٍ عاصف خلال الأسابيع الأخيرة، فقد أخذ الجيشُ السوري الحر زمامَ المبادرة وقام بعمليات هجومية واسعة.

والملاحظُ ان الحدود التركية غدت هي أكبر مجال للتدفق العسكري، وباتت أجزاء منها فجأة مناطق محررة ومفتوحة، وهو الأمر الذي طالما طالبت به قوى المعارضة السورية طوال زمنية المذبحة المريرة.

هناك دعمٌ تركي وغربي محدودٌ وهو يتكونُ في ظل توازنات دولية وإقليمية معقدة خطرة، فأي عود ثقاب يحرق العالم!

ونلاحظ ذلك في هذا التحول النوعي لهجمات الجيش الحر، وقدراته التي ارتفعتْ فجأة وانتقلت إلى الهجوم المضاد الواسع وعلى مراكز السلطة الكبرى، خاصة في مدينتي دمشق وحلب، لكن هذا الهجوم اتسم بالمد والجزر، كموجات تضربُ وتنحسر.

ضرباتٌ هي أشبه بتكتيكات حرب العصابات الفيتنامية في مرحلتها الأخيرة لكن دون أن يؤسسَ الجيشُ الحر السوري قواعدَ مادية كبيرة للهجوم والسيطرة، عبر تكوين استحكامات قوية والسيطرة على المباني العالية وإنشاء بنية دفاع ضد الطيران، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع ضرباته السريعة العفوية.

لكن رغم محدودية الأهداف المحققة فإن الشمال السوري البري غدا مفتوحاً لحشود ولتفكيك صلات النظام بالحدود والدول الأخرى.

الأسلحة الخفيفة والمضادات القليلة والاعتماد فقط على روح المفاجأة والبطولة أدتْ إلى اختراقاتٍ مذهلة وإلى هجمات مضادة مريرة من جيش النظام الذي استباحَ كلَ شيء. وهذا يؤدي كذلك لخسائر لدى المدنيين وتفاقم الهجرة ومعاناة الأهالي وتضرر الدول المجاورة.

حدثت خلخلةٌ ولا شك للنظام، خاصة مع ضرب مركز القيادة القومي في قلب العاصمة، لكن بدا واضحاً أن ميزان القوى العسكرية مازال في صالح النظام الفاشي، فهو جيشٌ يُعتبرُ من أكبر جيوش المنطقة، وهو جيشٌ معبأ سياسياً وقواعد جنوده مسحوقة آلية، وحتى الآن لم يُدخل في معركته ضد الشعب سوى فرق قليلة تظل هي فرق النخبة و المسيطر عليها تماماً.

إن الجيش الحر، جيش الشعب السوري وأداته الحقيقية الوحيدة على الأرض، بعد تراجع دور التظاهرات والاحتجاجات وانتقال القضية للحسم العسكري، بلا دبابات وبلا غطاء جوي، وبلا قدرات مادية عملية تقنية في تحويل المدن المحررة إلى قلاع، ولا تكفي الأسلحة الخفيفة في التصدي لمثل ذلك الجيش النظامي.

إن هذه الضربات الواسعة مثلت كذلك تخفيفاً من الحصار والهجوم على المدن الأخرى، ونقلتْ المعركةَ لعمق النظام، وأدت إلى إرباك فرقه العسكرية بين المناطق الجغرافية المختلفة.

وكما أن جيشَ النظام له نقاط قوة في نوعية أسلحته المتفوقة وقدرته الواسعة على الحركة السريعة وتعاون مختلف هياكله العسكرية والأمنية، فإن له كذلك نقاط ضعف كبيرة، هي في ربطه لقواعده الشعبية من الجنود وصغار الضباط عبر القهر وتحويل الجيش من أداة وطنية جامعة لجهاز بوليسي عنفي واسع، وهي الأمور التي أدت لتمردات واسعة وهروب والتحاق بالجيش الحر، بحيث بدا الصراع السياسي يتمحور في تباين الكفتين بين الجيشين، وتصاعد الحر على حساب النظامي.

وكما يبدو فإن ضباط الجيش السوري الحر لهم دراية بحروب العصابات وثورات الشعوب العسكرية، وليس غريباً أن يطبقوا دروسهم على(نظامهم) وهم لديهم فيض من الجنود الهاربين وينمون على حساب خسائره المادية والبشرية، لكن الضربات السريعة وغياب القواعد المادية وعدم تنظيم الحشود الشعبية وتركيز ضرباتها على مفاصل النظام، سيؤدي إلى هجمات مضادة حادة من قبل الجيش النظامي.

هناك استعجال في الجيش الحر، هذا صحيح، ولكن لا يوجد حل آخر يوقف المجازر، كما أن الفرق المستخدمة قليلة من مجموع الجيش خوفاً من تمرد الفرق الأخرى، كما أن معونات الدول الأخرى الخائفة من الصدام المناطقي الدولي، تجعل المعركة سورية عسكرية خالصة.

ينتقل الجيش الحر ليكون السلطة الجديدة وهيكلها المادي على الأرض، وقادته يحولون أنفسهم لقادة البلد القادمين، ومن هنا تركيزهم على الحل العسكري، ورفضهم للحلول السياسية التي لا تهدم النظام الراهن كلياً، وهو أمرٌ يعبر عن حقيقة النظام وصلابته الحادة ورفضه لأي حل سياسي، وأن كل يوم يُترك له يعني مجازر جديدة وهجمات أخرى على الناس والمعارضين.

إن قادة الجيش يتحدثون من خلال المعارك وبرك الدماء وكان ينبغي وجود قيادة عسكرية سياسية على الأرض هي التي تقرر، ولكن هذه القيادة لم تظهر، والقيادة العسكرية الراهنة تقوم بحفر نفسها على الأرض بكل عنفوان وقدرة وتضحيات جسام وينبغي في ظل هذه الظروف أن يتبعها كل شيء مثل شعار: كل شيء من أجل الجبهة كل شيء من أجل النصر.

وكانت القيادة السياسية في الخارج ذات لغة سياسية تأملية في حين كان الموقف يتطلب قواعد عسكرية صلبة في الداخل تنفذ خططاً دقيقة ضاربة.













.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة