الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٢ - الأربعاء ٢٥ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٦ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثنائيةُ الحادةُ





مع خروجِ العربِ من العصور الوسطى الذي يجري حالياً والذي يكلفُ حروباً اجتماعية هي حروبٌ دينيةٌ في شكلها، وثوراتٌ ضد رأسماليات الدول الشمولية في جوهرها، تظهرُ الثنائياتُ الحادةُ في مجتمعاتٍ تسير نحو النهضة بتناقضاتٍ اجتماعية وسياسية عميقة.

إنها ثنائيةُ الرجلِ والمرأة، وثنائيةُ السلطةِ والمعارضة، ثنائية المحافظة والتقدم، ثنائيةُ المذهبِ السائد والمذهب المسود وغير هذا من تناقضاتٍ صارخة ليس فيها وسط وتداخل وتجاوز!

الثنائية هي بسبب أن الرجل لا يريد حباً فيه مساواة، بل يريدُ خضوعاً، والسلطةُ تريدُ معارضةً مستأنسةً لا تشكل بديلاً جديداً داخل النظام المتطورنفسه دائماً، والمذهب السائد لا يريد أن يكونَ في الحرية الدينية ليتطور عبر الأبحاث الحرة وجهود رجال الدين المستقلين.

ولكن في الجانب الآخر فإن المرأةَ إما أن تكون تابعة وإما فوضوية في رد فعلها على اضطهاد الرجل. في كلتا الحالتين هي تخسرُ شخصيتها، التحديثية، الديمقراطية الإنسانية المتراكمة، التي لا تتشكلُ إلا عبر الحرية والثقافة وتراكم التجارب الخلاقة في حالةِ أنها حرة، وعبر العقلانية وتطوير الرجل والأسرة في حالة أنها تتجاوز أن تكون تابعة.

السلطة والمعارضة في عالم الخروج من العصر الوسيط تعانيان التقوقع نفسه على ذاتهما الكلية، هي انعكاسُ الرجل، هي الذكورة وقد صارت سياسةً، هي الطائفة وقد صارتْ جماعةً مسيّسةً مهيمنة، هي شرائحها العليا، وهي في إنتاجها للوعي السياسي المذهبي تفرغهُ من مضامينه، تحيلهُ لعادات غير فاعلة في التغيير، لآراء عامة لا تطور طبقات الناس.

هذا ما يؤدي إلى أن تكون المعارضة هي طائفة أخرى، ديناً مغايراً، أو إلحاداً عدمياً.

وقد قامتُ رأسمالياتُ الدول بحمل هذه التناقضات على كاهلها الاقتصادي، وحين تكون (اشتراكيةً) تحطم المعارضة الرأسمالية الليبرالية، وحين تكون ملحدةً عدمية تقوضُ الإيمان الشعبي، وخاصةً تجسيداته السياسية من المنظمات الدينية، التي راحت ترعى هذا الإيمان المحافظ وتُسيّسهُ بشكلٍ مضاد للحداثة والاشتراكية والليبرالية.

وحين تكون الدول الرأسمالية الحكومية دينيةً فإنها تقوضُ الحداثةَ والديمقراطية وتصعّد المذهبية السياسية.

أحياناً تبلغ الثنائية الحادة كيان الدول الداخلية، ويكون الانفصام قد وصلَ إلى هيكلها العظمي، فهي غيرُ قادرةٍ على الرجوع للوراء أو التقدم للإمام، غيرُ قادرةٍ على مسايرة مذهبية سياسية كاسحة وتشدها مذهبيةٌ سياسية صغيرة، وتنفصم الدولةُ بين مذهبيةٍ سياسية وعسكرية مذهبية، أو تغدو رهناً لتقاسم المذهبيات السياسية القومية.

الخروجُ من العصر الوسيط تحددُهُ مقاييسه في تلك الركائز السابقة، في وضع النساء، في كون النص الديني يتحول لقيد، في كون الدولة تقليدية، في كون كل عنصر منغلق في ذاته، يتصور نفسه الكل.

في كون هذه العناصر لا تتداخل، لا يشكلها تحديث ديمقراطي.

مرحلة (التثوير) السابقة التي لها إيجابياتها رغم كونها أنظمة قمعية، لحقتْ بها مرحلةُ تنوير وأسرع إليها التثويرُ بقوة شديدة وقفزات.

مرحلة التنوير الديمقراطية تفترض سنوات من الصبر السياسي ونشر ثقافة ديمقراطية وتفكيك العقد العربية الاجتماعية الطويلة، لكن القوى الغربية المتحكمة في الأسواق، وخاصة أسواق البضاعة الدعائية، ليس لديها صبر وتريد تفكيك رأسماليات الدول العتيقة، وربما شطب دول من الجغرافيا، وتغيير سمات الشعوب وعلاقاتها وفتح المجال لبضائعها، فهي لها إيقاعات سوقية في الثورات العربية.

يخرج العرب من العالم الوسيط مقذوفين نحو أكثر أشكال الحداثة والعولمة الرأسمالية الهائلة، وهم في عالمهم التقليدي، مثلتهم القوى المحافظة المذهبية اليمينية وعبرت عن علاقاتهم العتيقة ومستوى أغلبيتهم، وجسمت طموحاتهم للتغيير، حيث يسود الرجال والنصوص الدينية القديمة والدول العتيقة.

الخروج من الثنائيات الحادة يحتاج إلى عالم جديد.















.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة