الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤١ - الثلاثاء ٢٤ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٥ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

تحديثٌ عربيٌّ جديدٌ





فشلَ التحديثُ العباسي بسببِ هدر الأموال العامة على الشؤون الخاصة. الأمةُ العربيةُ المقسمة الدولِ؛ ذات المستويات المختلفة والهموم المشتركة والمسار التاريخي المتعرج الواحد تجدُ نفسَها في حالاتٍ من البحث والتيه والاختلافات العميقة والتطور المشترك.

لكن اليمينَ الديني وضعَ نفسَهُ على العتبة الأولى، عتبة الديمقراطية التحديثية ذات المضمون الغربي العالمي.

هناك رجالٌ متخلفون يعانون مشكلاتهم الشخصية وهيمنتهم الأبوية.

هناك أنظمةٌ لم تفهم بعد الحراك الديمقراطي التحديثي العميق.

الأمةُ العربيةُ تستعيدُ بعضَ حراكها التحديثي، وفصائلها الأساسية منقسمة بين قوى دينية محافظة مقتربة من الليبرالية، وقوى يسارية متجمدة في هياكلها النصوصية القديمة.

اليسار القديم الشمولي، والطائفية القومية المضادة للعرب، والهيمنة الغربية الساحقة لتميز الأمة العربية، هذه كلها منفية، مرفوضة، لكن البديل القادم غامض ومتذبذب وغير ذي ملامح واضحة.

الدور الموضوعي لليمين الديني المتعقل هو الاقتراب من الأجندة العالمية للديمقراطية، لكنه مشدود كذلك لجذوره الشمولية ولشهوة السلطة ومكاسبها.

الأجندة العالمية للديمقراطية تعطي لمختلف القوى أنصبتَها وأدوارَها وحراكها المستقل، وتنمي مختلف التيارات، ولا تشكلُ جماعات التابعين والمتزلفين التي هي أكثر القوى خطراً على التطور السياسي العربي.

مثل هذه الأجندة سوف تنمي في روحِ الرؤساء الجددِ التواضعَ الاجتماعي السياسي، وتركَ الهيلمان والغرور، وصرف الملايين على الأجندة الخاصة والمظاهر الكاذبة، وهي التي لا تنقذُ سلطةً من هاوية، ولا رئيساً من الفشل السياسي.

إننا إذ نغادرُ الاحتفاليات الفارغة والبهارج للعصر العباسي ويظهرُ رؤساءٌ متواضعون، يكرسون أنفسَهم للشأن اليومي الجماهيري، لا يجعلون أتباعَهم وأحزابهم في مرتبةٍ عليا، لكي يتخذوا منهم سلالم للبقاء، وهذا ما يجعل كافة الفرقاء المختلفين مع توجهات الرئيس الديني المحافظ المعبر عن طبقة وسطى غائبة الملامح الحديثة، يعملون من أجل ما هو موضوعي، وما يطورُ الحكمَ والبلد، ويكشفونَ كذلك قصورَهُ وإخطاءه للمزيدِ من التطور للبلد ولإدائه السياسي ولتطوير برامجه السياسية الشخصية أو الحزبية.

لابد أن تتكون طبقةٌ مستغلةٌ مسيطرة في الدولة والحكم والمجتمع، فهذا قانونُ التاريخ والتطور، فثمة ثرواتٌ تجمعت، وثرواتٌ أخرى في سبيلها للنمو، والأحزاب السائدة القوية مشروعاتٌ لقوى جتماعية وليست طيوراً في الفضاء الاجتماعي، ولكن الطبقةَ السائدة لابد أن تتعاون مع الطبقة المُسودة، في بناء وطني نهضوي ديمقراطي مشترك، ولا أن تستغلَ الأتباع والخدم من أجل طبقة شمولية تجعل من العمال والمستخدمين بلا صوت سياسي، وتجعلُ خيوطَ المشروعات الاقتصادية الاجتماعية الثقافية كلها في يدها، لتكرس شمولية جديدة غير تعددية ولا تبادلية للسلطات.

ويتيح النمو الديمقراطي للطبقة السائدة أن تُبعدَ عن الحكم، عبر إزاحةِ حزبها في تصويتٍ برلماني جديد، وأن تتقبلَ النقدَ والمعارضة وتكتشفَ أخطاءها وقصورها في تنفيذ البرامج الاجتماعية الوطنية.

هذا يجعل شخصياتها القيادية تتطور ليس من الناحية الأخلاقية بل من الجوانب السياسية والاقتصادية وهي المحورُ المعيشي الذي ترصدهُ الجماهيرُ بقوة ولا يهمها كثيراً سلوك الرؤساء الشخصي رغم مناقبيته.

هذه بداياتٌ جديدة مشرفة تحرك من لا يتحرك، واليسار الجامد واليمين الليبرالي الانتهازي، وجماعات التطرف الديني، كلها مدعوة في برلمان الأمة العربية غير المنظور والرمزي، لكي تتطور وتتجدد، فالتعلم من الخصوم ضرورة، والبقاء في حلة واحدة في التاريخ كله هو جمودٌ صخري لم يعد له قيمة.

















.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة