تأثير الخطاب الديني
 تاريخ النشر : السبت ١٤ يناير ٢٠١٢
صلاح فؤاد عبيد
يتهاون كثيرون في تقدير أهمية وخطورة تأثير الخطاب الديني على الناس على الرغم من كون هذا التأثير أوضح من أن ينكره أحد أو يقلل من شأنه أحد، سواء كان هذا التأثير إيجابيا لصالح الشخص المتدين ولصالح مجتمعه، أو كان التأثير سلبيا على من يتلقاه وعلى المجتمع المحيط به وربما على الأمة بأسرها، بغض النظر عن ماهية الدين أو المذهب، سواء كان دينا سماويا منزلا من الله أو وضعيا من تأليف وابتكار البشر.
في إحدى الكنائس الإيطالية كان الحاضرون يستمعون خلال شهر أكتوبر الماضي إلى موعظة دينية يلقيها أحد القساوسة حول أهمية العفة وعدم النظر بشهوة إلى زوجات الآخرين، وعندما تلا على الحاضرين نصا من الإنجيل يقول ما معناه: «إن تسببت عينك اليمنى بخطايا، اقلعها وارمها بعيدا، من الأفضل أن تخسر جزءا من جسمك على أن يكون مصير جسمك كله في الجحيم»، فوجئ الجميع بأحد الحاضرين يهب من مكانه صارخا ثم يقوم بإدخال أصابعه في مقلتيه وينتزع عينيه من محجريهما بيديه المجردتين ثم يسقط على الأرض مغشيا عليه بعدما نزف كثيرا من الدماء، وسط ذهول وذعر وفزع رواد الكنيسة.
بالطبع توقف الدرس الديني وتم استدعاء سيارة الإسعاف التي نقلت الرجل إلى المستشفى سريعا لكن الأطباء أكدوا أنه ليس من الممكن إعادة العينين إلى مكانهما وأن الرجل سيظل أعمى مدى الحياة. وحين سألوا الرجل بعدما أفاق من غيبوبته عن السبب الذي دعاه إلى ارتكاب تلك الجريمة في حق نفسه قال إنه سمع أصواتا تطلب منه اقتلاع عينيه!
الطبيب الذي تولى معالجة ذلك الرجل قال وهو في منتهى التعجب إنه لم يرَ في حياته شيئا مماثلا، وأن «تنفيذ الإنسان اعتداء مثل هذا بحق جسده يتطلب قوة خارقة تتخطى قدرة الإنسان الاعتيادية. يبدو أن الرجل أصيب بحالة عقلية غير متزنة أدت إلى فقدانه السيطرة على نفسه وتنفيذ حكم الإعدام بحق عينيه»، ما يفسر التأثير العظيم للوعظ الديني في تغيير سلوك الإنسان ومنحه قدرات يعجز عن الحصول عليها في الحالات الاعتيادية من حياته.
لا أحد يعترض على التأثير الإيجابي للخطاب الديني وذلك حين تكون نتيجته ارتقاء المرء بأفعاله وتصرفاته والتزامه الديني والمجتمعي والأخلاقي بما يصب في صالح نفسه ومجتمعه وأمته، لكن الخطورة تكمن في استغلال بعض أدعياء الدين تلك الميزة الخطيرة فيقومون بعمليات غسيل مخ لأتباعهم تجعل منهم أداة طيعة في أيدي أولئك الأدعياء المستغلين للدين في تحقيق مآربهم ومصالحهم الشخصية التي تتضارب في معظم الأحيان مع مصالح الأمة والمجتمع، بل إنها في أحيان كثيرة تضر بصورة الدين وأتباعه في عيون العالم كله.
الالتزام الديني في الجوانب العبادية والأخلاقية والتعاملية مع الآخرين مطلوب لأنه الوسيلة التي توصل الفرد منا والمجتمع والأمة كلها إلى أفضل المراتب، وحساب الجميع يوم القيامة على الله تعالى، لكن المذموم هو التطرف والغلو والتعنت والتعصب واستغلال الدين في تحقيق المآرب الخاصة على حساب المصلحة الجمعية للمجتمع والأمة بكل أطيافها وأديانها ومذاهبها.
salah_fouad@hotmail.com
.