النفطُ خط أحمر
 تاريخ النشر : الأحد ٢٢ يناير ٢٠١٢
عبدالله خليفة
تتجاهل القيادةُ الإيرانيةُ كل خبرةِ المنطقة والعالم في مسألة النفط وتعرض إغلاق هذا الممر الحيوي الذي ينقل أكثر من عشرين بالمائة من النفط في العالم لخارجه، وهو ممر دولي لا تمتلكه أي دولة.
لقد لعبت أشكالُ الطاقة في العصور المختلفة بدءًا من البخار والفحم حتى النفط حاليا أدوارا مترافقة مع تطور الصناعة الحديثة في الغرب ثم في الشرق، فعبر قوى الطاقة تكونت الصناعات الثقيلة وخطوط سكك الحديد والبواخر وقوى الإنتاج كافة، التي وضعت الأسس العامة لظهور جميع أشكال الصناعة الراهنة التقنية المتطورة، ثم قام النفط بإحداث القفزة الكبرى في هذا التطور حتى غدت المصانع والمواصلات شبكات هائلة في كل خلايا الأرض.
لهذا فإن استكشاف الغرب لمواد الطاقة كان يمثل لحظات الثورات التقنية، وجاء النفط محققاً الانتقال من الصناعات القديمة إلى صناعات الثورة التقنية، وتداخل في اكتشاف النفط الاستعمار والتنمية، فغدت مناطق النفط ملكية غربية عقودا ثم غدت تحت الحماية المباشرة وغير المباشرة بحيث سيطرت الولايات المتحدة على قيادة الرأسماليات الكبرى في الغرب والشرق عبر جعل ممرات النفط في حمايتها والهيمنة على مواد الطاقة والصناعة.
فمن يغامر بوقف تدفق النفط يغامر بالوقوف ضد هذه الرأسماليات الكبرى الممثلة في مجلس الأمن خاصة إضافة لدول كبرى أخرى تعيش على نفط الخليج كاليابان والصين والهند.
ومن هنا غدت الانقلابات والحروب مرتبطة بالنفط واكتشافاته والسيطرة عليه، ولو لم يتوجه رئيس الوزراء الإيراني مصدق في الأربعينيات مصدق إلى تأميم النفط لكانت إيران قد شهدتْ حقبةً ليبرالية مهمةً أَثرت في المنطقة بشكل كبير.
كذلك كان عزم عبدالكريم قاسم قائد مجلس الثورة العراقي وتوجهه لتأميم النفط لحظة خطرة في حياته ونظامه فتم الانقلاب عليه.
وهكذا كانت لحظة صدام حسين في الهجوم على نفط الكويت بداية لانتهاء حكمه.
واغتيل الملك فيصل بشكلٍ مذهل بعد أن قطع النفط عن الغرب في فترة حرب أكتوبر .٧٣
وكان التدخل القوي من الغرب في ثورة ليبيا ضد القذافي مؤثراً وحاسماً في طي صفحة دامت أربعين عاماً.
لم يعد النفط شأنا عربيا أو إيرانيا في المنطقة بل عالميا، ومن يقطعه يعرضُ نفسه لأشد الأخطار السياسية والعسكرية.
وحين تفكر القيادة الإيرانية في إغلاق مضيق هرمز، فيعني وصولها إلى لحظة يأس خانقة وتعبيراً أخيراً لنظام وصل إلى طريق مسدود.
لقد حدث خنق تدريجي متصاعد للاقتصاد الإيراني، ووصلت العملة الإيرانية إلى أدنى مستوى لها، وانفض الشعب عن دعم النظام، وغابت كليا المظاهرات الحاشدة وصارت ذكرى من الماضي، وتعالى الهتافُ الجماهيري ضد القيادة الدينية السياسية حتى وسط العاصمة طهران كما يقول مسافرون قادمون من هناك، وهي التي كانت بمنأى عن ذلك سنوات طويلة.
تتضح بشكل جلي نهاية التحالف الإيراني ؟ السوري نظراً إلى استخدام العنف الوحشي ضد الجمهور واتخاذ سياسة متطرفة في رفض الحداثة والديمقراطية والتعامل الإنساني مع الشعوب حتى الحلفاء ومن تتشابه أنظمتهم معهما كروسيا والصين لا يستطيعون الدفاع عن النظامين اللذين برز عظمهما الفاشي للعيان في قمع الشعب السوري خاصة.
لن تغامر القيادة الإيرانية في إغلاق مضيق هرمز الذي يعني نهايتها التامة وانهيار نظامها كبيتٍ من الزجاج، فهي تستغل ذلك للبقاء على حافة الهاوية دائماً، وإثبات كونها تتعرض للتآمر فتستغل التعصب القومي الشعبي لتحريك التأييد الميت لها في الشارع، وهذا هو السبب في التركيز في أوضاع الضحية وتصوير ان التدهور في الأوضاع الداخلية هو بسبب الأعداء وليس من سياسة النظام.
الانهيار الوشيك للتحالف الإيراني - السوري وتغير الوضعين اللبناني والعراقي يتجسدان في مأزق النظام الأسدي العسكري الإجرامي الذي يذبح الشعب وهو يخرجُ من التاريخ بكل خزي، وتُسحب قطع الأرض السورية من تحت جنازيره الدامية، وهي تتفجر بالنضال والمقاومة، وقد وضع التحالف الإيراني - السوري نفسه في مآزق كبيرة وحشد قوى إنسانية كبيرة ضده، وصار الانهيار مسألة وقت، أما إذا أرادت القيادة الإيرانية عبور الخط الأحمر ووقف النفط فسوف نشهد الانهيار في بؤرتي هذا التحالف معاً.
إن مسألة الحرب مرفوضة وخطرة ومدانة من الطرف الذي يبدأ بها، وعودة النظام الإيراني للسلام والديمقراطية والانضمام إلى المجتمع الإنساني هما الحل الوحيد البناء له.
.
مقالات أخرى...
- الفِرقة والحزبُ - (21 يناير 2012)
- المشرقُ والتوحيدُ - (20 يناير 2012)
- الصراعُ الاجتماعي مجدداً - (19 يناير 2012)
- النظر إلى جهةٍ واحدة - (18 يناير 2012)
- ثقافةٌ تحبو على الرمال المتوهجة - (17 يناير 2012)
- الثورة السورية.. تفاقمُ الصراعِ وغيابُ الحلِ - (16 يناير 2012)
- سببياتُ انهيارِ الوعي التحديثي - (15 يناير 2012)
- الأفكارُ والمراحل التاريخية - (14 يناير 2012)
- صناعةُ الزعامةِ في المرحلةِ الطائفية - (13 يناير 2012)