الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٥٧ - الأحد ٢٢ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٨ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


ولكن عيسى جناحي لا بواكي له!!





جاء عنوان موضوعه المنشور في إحدى صحفنا المحلية كالتالي: «بمجرد ورقة تسمح له بالعمل لمتابعة حياته.. عيسى جناحي مازال يبحث عن حسن سيرة وسلوك». في التفاصيل، تقول القصة إن مواطناً بحرينياً سُجن في دولة الإمارات العربية المتحدة مدّة ثماني سنوات، ثم صدر عنه عفو خاص منذ شهر فبراير الماضي (قبل حوالي سنة تقريبا) وعاد إلى البحرين. لكنه وجد نفسه كما في السجن الكبير حيث سًدّت أمامه طرق العمل وكسب الرزق رغم ما يملكه من مؤهل جامعي، بكالوريوس في إدارة الأعمال وخبرات متعددة أهّلته لأن يتم قبوله للعمل في بعض الجهات والمؤسسات. غير أنه حال دون توظيفه عدم إعطائه شهادة حسن سيرة وسلوك حتى الآن!!

هذا المواطن العفيف اضطر بعد مرور سنة تقريباً على مساعيه؛ إلى أن ينشر مناشدته في الصحافة، يستنجد ويستعطف الجهات المختصة، ليس لتعويضه، وليس لمساعدته. صدقوني لا. إنما كانت مناشدته لإعطائه ورقة، مجرّد ورقة يستطيع أن يعمل بواسطتها ويعود إلى سويّة حياته ويكسب رزقه!

حزنت أشدّ الحزن حينما ذكر هذا المواطن أنه محتاج إلى العمل من أجل معالجة زوجته المصابة بمرض السرطان ولكي يصرف على أبنائه الذين يعيلهم وأنه لم يبق باب إلاّ وطرقه من أجل الحصول على هذه الورقة التي نعتقد أنها حق خالص له لا يحتاج إلى أن يماطله أحد فيه ويتركه يتضرّر كل هذا الضرر.

تواصلت معه يوم أمس عبر الهاتف، فكان مما قاله لي إنه يطلب أن يقوم أي أحد بتسديد ديونه وقروضه مقابل أن يعمل لديه في أي وظيفة من دون راتب مدة سنة أو أكثر، فقد طوّقته الديون، وشكا لي من حاله وحاجته ما يبكي له حتى الحجر!

لا أحتاج إلى أن أجري مقارنات لبيان الفرق بين حالته كمواطن تم سجنه في خارج دولته وصدر عنه هناك عفو خاص ليُحرم في بلده من الحصول على شهادة رد اعتبار تمكنه من ممارسة حياته وإعالة أسرته وأبنائه وبين غيره من الحالات التي كانت جريرتها أكبر، وفي داخل وطنها، لكنها عادت إلى ممارسة حياتها ومواصلة كسب رزقها.

لا أريد أن أجري مقارنات لبيان الفرق بين الفزعات للذين يتم العفو والإفراج عنهم أو إسقاط تهم عنهم أو إعادة محاكمتهم أو نقض أحكامهم أو ما شابههم وبين حالة عيسى جناحي، ولا أريد أن أجري مقارنات لبيان الفرق بين وقفات وفزعات جمعيات ومراكز حقوق الإنسان ونقابات وصحف ونواب ومشايخ ومحامين لأولئك وبين هذا المواطن الذي لم يفزع له أحد؛ فهذه المقارنات من الوضوح والانتشار ما يغنينا حتى عن الإشارة إليها. لا لشيء سوى أن «حمزة لا بواكي له» مثلما ورد في القصة التاريخية المؤلمة التي حدثت بعد غزوة أحد حينما مرّ الرسول صلى الله عليه وسلّم بعد انتهاء الغزوة بدار من دور الأنصار من بني عبد الأشهل وظَفَر بالمدينة المنورة، فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم، ثم كلّما مرّ على أحد رآهم يبكون قتيلهم؛ فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى، ثم قال: (ولكن حمزة لا بواكي له) وكان يقصد صلى الله عليه وسلّم عمّه حمزة بن عبدالمطلب الذي قُتل ضمن القتلى في هذه الغزوة ومُثّل بجثته لكن لم يبكيه أحد كما الآخرين.

يا ترى: هل يُرضي أحداً هذه الحالة التي يعيشها هذا المواطن؟ ومَن بيده رفع مظلمته والأمر اليوم - وليس الغد - بإصدار ورقة رد اعتباره، بل وتوظيفه وحفظ كرامته وكرامة زوجته المصابة بالسرطان وأبنائه؟! وغداً لنا مقارنة غريبة أخرى.

سانحة:

يقول الشاعر:

مررت على المروءة وهي تبكي فقلت علام تنتحب الفتاة

فقالت كيف لا أبكي وأهلي جميعا دون خلق الله ماتوا



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة