الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٥٧ - الأحد ٢٢ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٨ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

زاوية غائمة


لن أشتري الهمّ بفلوسي





كلما زرت جماعة من أقاربنا بثّوا الرعب في قلبي، بأجهزتهم الطبية، فتلك تأتيك بجهاز قياس ضغط الدم، وذاك يفحص لك نسبة السكر في الدم، وثالث يتسلى بسماع نبضات قلبك، ورغم ان تلك الاجهزة ضرورية لبعض الناس، وخاصة الذين يعانون العلل المزمنة، فإنني أتجنبها تجنبي لرزان وليليان، لأنني بطبعي لا أتعجل حدوث البلاء، ولست ميالا إلى تقصي حالتي الصحية في غياب إنذار او عرض محدد، وبصراحة أكثر فإنني لا أحب فحص السكري بالذات، لأنني اعرف انني لن اتقيد بأي قرار يمنعني من اكل التمر والبطيخ والشمام، ولا أمانع في قياس ضغط الدم بين الحين والآخر إذا جلست امام طبيب، ولكنني لست مستعدا لجعل نفسي فريسة لوساوس منشؤها جهاز قابع في بيتي، وأخشى اصابتي بارتفاع ضغط الدم، لأنني اعيش في العالم العربي حيث يغلي دم المواطن في عروقه عدة مرات في اليوم من الغيظ والقهر، ولأن هذا المرض هو نصيبي من ورثة الوالد - سامحه الله وطيب ثراه - وقد قرأت في الصحف البريطانية ان السيدة مارجريت لين البريطانية تركت عند وفاتها بيتا ريفيا تناهز قيمته المليون دولار لقطتها تينكر وأوصت لها ايضا بـ ١٥٠ ألف دولار مصروفات نثرية، بينما ترك لي السيد عباس أفواها كلما اطعمتها صاحت: هل من مزيد!! سبحان الله، فمع هذا أدعو لعباس بالرحمة والمغفرة كلما جاء ذكره، وأجد سعادة بلا حدود في الوفاء بالالتزامات التي ألقى بها على عاتقي، بينما اقارب مارجريت لين يلعنونها صبحا وعشيا كلما تذكروا انها فضلت القطة عليهم!!

المهم ان جهازا طبيا خطيرا في طريقه إلى الاسواق قريبا، وسيلقى رواجا عظيما لدى الموسوسين والمصابين بالهايبوكوندريا، وهم الجماعة الذي يحسبون انهم مصابون بامراض الدنيا كلها، وإذا سمعوا أن شخصا ما اشتكى من صداع واتضح ان في دماغه ورماً، رموا البندول في سلة القمامة وسافروا إلى الخارج لاستئصال الورم الافتراضي، باختصار فإن المصابين بالهايبوكوندريا يفصلون أمراض الآخرين على مقاساتهم، وبالتالي فإن الواحد منهم يكون مصابا بالسرطان والملاريا والدوسنتاريا وقد يكون هناك رجل يعاني من ذلك الوسواس المرضي ويجالس امرأة تشكو له من علل لا تصيب إلا النساء، ولكنه قد يفارقها وهو مقتنع بأنه يعاني من تكيس في المبيض وورم في عنق الرحم، وبالمقابل فقد تجد امرأة تعاني من الهايبوكوندريا تشكو من تضخم البروستات، ولا تستطيع ان تقنعها بأن النساء لسن مزودات ببروستات، لأنها ستعتبرك «حاسدا». المهم نعود إلى الجهاز الخطير الذي اسماه الدكتور البريطاني بول ديبينام امام المؤتمر السنوي للرابطة البريطانية للتقدم العلمي «الصندوق الجيني الاسود»، يستطيع هذا الجهاز ان يفحص جيناتك ويبلغك بحالتك الصحية في غضون ربع ساعة، ويمكنك ان تتجول وانت تحمل الجهاز ثم تبصق عليه: تفو... فيرد عليك بعد فحص لعابك: الله يسامحك ويشفيك واللي تحسبه نزلة برد، يا ثور.. في واقع الامر التهاب سحايا.. فتوجه إلى اقرب مستشفى!.. وتحاول ممارسة رياضة المشي وبعد دقائق يصيح فيك الجهاز: بلاش هبل واطلب الاسعاف لأن قلبك سيخذلك لو مشيت خطوة إضافية!! باختصار فإن الجهاز يستطيع ان يستنتج حتى قابليتك لبعض الامراض، فيحذرك مثلا من ان نسبة السكر في دمك وصلت إلى الخط الفاصل، ولو ما لحقت نفسك لا تلوم إلا نفسك! ولكن هذا الجهاز مفيد جدا للصيادلة مثلا، فباستخدامه يستطيعون ان يعرفوا خلال دقائق ما اذا كنت تعاني من حساسية من الادوية الموصوفة لك، ولكن من ايجابيات هذا الجهاز أنه - كالعادة - سيكون موضة عند الاغنياء فقط لان سعره الحالي نحو تسعة الاف دولار، والموظف الغلبان لن يحس بعافية لو انفق مثل ذلك المبلغ على جهاز مهما كانت اهميته! بل إن مجرد سماع سعره قد يسبب له جلطة.





jafabbas١٩@gmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة