الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٦٥ - الاثنين ٣٠ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٧ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

زاوية غائمة


ريشة من قوادم اليمامة





قام قائد سلاح البحرية، بزيارة قائد القوات المدرعة، وكان كلاهما حريصا على إثبات ان جنوده هم الأكثر كفاءة وشجاعة، ولما زاد الأدميرال البحري جرعة التباهي بشجاعة جنوده، قال له جنرال المدرعات: سأريك عينة من شجاعة جنودي، ونادى العريف خميس حسون، وقال له: هل ترى تلك الدبابة المسرعة؟ أريد منك ان تعترض طريقها وتوقفها بجسمك. وبلا تردد رد عليه العريف حسون: مجنون أنت أم غبي؟ ألا تدري ان ذلك سيتسبب في وفاتي فورا؟ وزني سبعون كيلو وتريد مني إيقاف دبابة مسرعة وزنها ٢٠ ألف كيلو؟ شارب أو شامم شي يا سعادة الجنرال؟ هنا التفت جنرال المدرعات إلى زميله البحري قائلا: شفت؟ فهمت يا بتاع البحرية والضفادع البشرية؟ لا بد ان يكون الجندي شجاعا جدا كي يخاطب قائده بتلك اللغة!!.. هذه واحدة من مئات النكات الشائعة حول العسكريين. وشهدت الخمسينيات والستينيات أوج انتشار النكات حول «غباء» العسكريين، وربما كان ذلك رد فعل على هوجة الانقلابات العسكرية التي صعد فيها ضباط بإمكانيات سياسية وفكرية متواضعة إلى قمم السلطة في بلدانهم و«عكّوا» وقلبوا عاليها سافلها، بخلطات عجيبة فيها رشّة خفيفة من الإسلام، وجرعة من الماركسية، وملعقتان من الرأسمالية، وثلاثة أكواب من «القومية»، وربما لان العسكريين كانوا في ما مضى يتفادون بحكم تربيتهم الاختلاط بالمدنيين، وإذا أضفنا إلى ذلك انهم كانوا يتمتعون بميزات مادية كبيرة، فهمنا لماذا كان المدنيون يغارون منهم ويطلقون عليهم النكات.

وعلى المستوى الشخصي تعرفت على العديد من العسكريين من مختلف البلدان، وفوجئت بأنهم على درجة عالية من الوعي، لسبب بديهي وهو أنهم ينتمون إلى أكثر القطاعات تحديثا ومواكبة للتطور العلمي والصناعي، ولم تعد العسكرية مجرد «صفا انتباه» بل صارت الكليات العسكرية تدرس مواد عملية واجتماعية إلى جانب الفنون الحربية، وعندنا في السودان عسكريون مشهود لهم بطول الباع في مجالات الآداب والفنون، وتأكد لي ان بين العسكريين في مختلف البلدان العربية رجالا على قدر عال من الثقافة، غير ان القوانين العسكرية تمنعهم من التعامل مع المنابر العامة، وقد وقع بين يدي مؤخرا كتاب للعميد المظلي السعودي المتقاعد هاشم احمد حكيم (ابوعصام)، وهو مجموعة مقالات نشرت في اليمامة تحت عنوان «ريشة من قوادم اليمامة»، وبعضها يعود إلى خمسين سنة خلت، تحوي نقدا اجتماعيا قويا وموضوعيا، وتخوض في الشأن السياسي وصولا إلى الدعوة الى خصم نسبة من الرواتب دعما للثورة الجزائرية، وما يميز تلك المقالات هو الجرأة الشديدة في الطرح، والنقد القاسي للظواهر السلبية، من دون إقذاع وبروح مرحة ولغة سلسة تجعلك تحسب ان كاتبها خريج دار العلوم، لجزالة اللغة ورشاقة العبارات، ومن أكثر ما أعجبني في الكتاب مقتطف من بين مقتطفات عديدة تجعلك تهتز من الضحك، عن عربي يعاف الباذنجان الاسود فعندما سألوه عن رأيه فيه قال انه: بطون العقارب وبذور الزقوم فقيل له ان الباذنجان يحشى باللحم ويكون طيبا. فقال: لو حشوه بالتقوى وقلوه بالمغفرة ما اقتربت منه.. (على أيامنا في الدراسة كانت الحكومة توفر لنا المسكن والمأكل وكنا نسمي الباذنجان «براطيش» وهي جمع برطوش لأنهم كانوا يطبخونه من دون إزالة قشرته الخارجية فكانت قطعه تطفو في المرق وكأنها أجزاء من أحذية بالية.. ثم سبحان الله صرت اعشق سلطة الباذنجان والمسقعة.. وصرت أسميها الشيفون، من باب الاعتذار ورد الاعتبار!!!





jafabbas١٩@gmail.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة