الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٧٣ - الثلاثاء ٧ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١٥ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


ثقافة (المسْخ)!!





توقعنا أن الأحداث المؤسفة التي شهدتها البحرين منذ شهر فبراير العام الماضي قد أعطت الجميع درساً أو دروساً بالغة، بل قاسية. ودفعتهم إلى إجراء مراجعات معمقة لسياساتهم وتوجهاتهم وعلاقاتهم وخططهم وسائر إجراءاتهم. ليس على الصعيد السياسي فحسب وإنما في مناحي ربما لا تقلّ أهمية عن هذا الـ (السياسي).

في تلك الأحداث وضعنا أيدينا على قلوبنا خوفاً على عروبة البحرين، وكادت العيون تذرف غزير دموعها على أشياء كثيرة، من بينها هويتنا وثقافتنا وتاريخنا، كانت أصابع الندم يجري عضّها تحسّراً على سنوات وعقود من الغفلة والإهمال عن ترسيخ معانٍ حقيقية للانتماء وصوْن ثمين لثقافتنا وهويتنا وزرع مثمر في أجيالنا عن تاريخ وعروبة وهوية لا تسمح بالمساس أو التعريض بها. كانت الحسرة والندامة حاضرة على أموال تم هدرها والبذخ فيها وإمكانيات لم يجر استغلالها وكفاءات لم تأخذ مكانها وفرصٍ ضاعت لم تستطع البحرين كسب دول ومنظمات ومجالس وهيئات ووسائل إعلام إلى صفّها حينما احتاجت إلى من يقف معها فاضطرت أن تتسوّل الإسناد من هنا وهناك.

أبدى الغيورون والمخلصون في هذا الوطن غضبهم على المنحنى الغريب الذي تم إلزامنا به خلال السنوات الماضية ؟ غصباً عنّا ؟ لمفهوم ثقافة لا يقوم على أساس بيان مقدرات العروبة والإسلام، ولا يخضع لاعتبارات الهوية والانتماء، ضاعت فيه القيم وتلاشى منه الفكر وغابت عنه المعلومات وتراجع عنه الأدب، وأصبح (مسْخاً) ليس له من الثقافة سوى الاسم؛ فهو في ظاهره رقص وطرب وسيمفونيات من الشرق والغرب أو الشمال والجنوب (هشّك بشّك) ولكن في باطنه تغريب وتفريط وتمييع وتضييع لتخريب وطننا والإساءة لمقدّراته الثقافية وانتماءاته الحقيقية واهتماماته وقيمه وعاداته، تخريب قمنا به بأنفسنا ودفعنا له من خالص أموالنا وثرواتنا مئات الآلاف من الدنانير ربما كان يكفينا بعضها لأن نضع البحرين على خريطة حقيقية للثقافة ونجعل منها بوابة نعرّف العالم من خلالها مقدّراتنا وهويتنا التي لا نفرّط بها، ونصنع بجزء من تلك الأموال المهدرة مصدّاً لكل طامع ومتربّص بالمساس بهوية الوطن وثقافته وتاريخه.

بالفعل كنّا نظن أن تلك الأزمة قد أوصلت رسالتها، فأفاقت النائمين وحرّكت الغافلين، أو هكذا نفترض لولا أننا فُجعنا ليل الجمعة الماضية بأن هذا المفهوم البائس للثقافة لازال قائماً، وأن هذا الـ (هشّك بشّك) لازالت الدولة تريد أن تروّج له وتتبنّاه وتنفق لأجله أموالاً طائلة نحن في أمسّ الحاجة إليها في مناحي أخرى.

لكن؛ ما هي حيلتنا، طالما أن الثقافة التي نريدها قد تم تغيير معناها وتحويلها إلى ما ترون وتسمعون من مسميات وعناوين معينة ويريدون أن يعتبروها أمراً عادياً ومقبولاً حتى حينما يكون وضوح مخالفتها لمعنى الثقافة أكثر من وضوح الشمس نفسها في بارقة النهار وعزّ الظهيرة؟! هل نحتاج ما هو أكثر صدماً مما مررنا به حتى تفيق الدولة وتقرّر أن ثقافتها لا علاقة لها ؟ مثلاً - بأوركسترا الإذاعة الوطنية البلغارية، ولا تربطها صلة بالمايسترو ويليام كوندسارت ولا الفنانة جولين صديق ولا الكورال ويليام كوندهارت، ولا الراقصين الصغار من مدرسة بالار للفنون الأدائية، ولا غيرهم مما نتمنى أن تكون الأرقام المتداولة (المهولة) لتكاليف استقدامهم ونفقات الاحتفال بهم غير صحيحة لأننا طالما حبسنا دموعنا في مقلتها عندما يشتكي إلينا مريض تعّذّر في الداخل علاجه أو علاج أحد أقاربه ولا يملك ما يفكّ به مرضه في الخارج، أو محتاج إلى علاوة غلاء تم حرمانه منها أو رب عائلة قُطعت الكهرباء عنه لتراكم فاتورة لم يستطع سدادها أو ما شابههم من أصحاب حاجات يمكننا أن نسدّ بعضاً من حاجاتهم بنصف تكاليف ليلة يُحتفل فيها بثقافة لا تمت إلى واقعنا ومجتمعنا وهويتنا وقيمنا وعاداتنا بصلة، ولا حاجة لنا بها أصلاً..

سانحة:

اللهم لا تدعني في غمرة ولا تأخذني في غرّة ولا تجعلني مع الغافلين.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة