الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٧٧ - السبت ١١ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١٩ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


مَن يموّل الأحزاب الطائفية والحقوقية في بلداننا؟





كشفت السلطات المصرية عن وثائق تثبت حصول منظمات حقوقية على تمويل خارجي بملايين الدولارات بطرق غير مشروعة، من أطراف أجنبية وعربية. واتهمت هذه المنظمات أيضاً بأنها «مراكز استقطاب سياسي»، بمعنى أنها تعمل على نشر فوضى سياسية ذات علاقة مباشرة بالتهديد الأمني الخطير السائد في مصر.. وعلى إثر محاكمة المتهمين في هذه القضية أصدرت الإدارة الأمريكية تهديداتها المعهودة بقطع المساعدات عن مصر.

وقد صادف أن أكد الصحفي الأمريكي توماس فريدمان هذه الاتهامات عندما أشار إلى النمط الجديد في العلاقات الأمريكية المصرية بعد «ثورة ٢٤ يناير»، قائلاً إنه «بدلاً من العلاقات المصرية التي كانت سائدة بين أمريكا من جهة ورجل واحد وعائلة واحدة (مبارك) من جهة أخرى، ستكون العلاقة (الأمريكية المصرية) مع كل الأطياف السياسية في مصر، والتي لم يسمح لها من قبل بالظهور سواء كانت تيارات دينية أو آخرين»، ذاكراً مثالي الدكتورين أيمن نور وسعدالدين إبراهيم (الحياة، ١٠ يناير ٢٠١٢ لقاء في الجامعة الأمريكية بالقاهرة).

إذن تحت شعار «الحقوق والحريات» يتم اليوم تشكيل نمط جديد من العلاقات بين الدول، عبر صناعة وتمكين قوى جديدة داخل مجتمعاتنا لتعمل خارج إرادة الدولة.. أي أن هناك علاقات قائمة بين دول خارجية ومنظمات محلية خارجة عن سيطرة وسيادة الدولة، لأهداف لا علاقة لها بالديمقراطية، بقدر ما هي ذات علاقة مباشرة بنشر الفوضى السياسية والأمنية، لفرض الهيمنة، غير المباشرة، على القرار السياسي في منطقتنا.

عبر صناعة هذه المنظمات الحقوقية المحلية، وتمكينها سياسياً من الخارج، يتم تشكيل كتل ضاغطة محلية وداخلية بمسميات المراكز البحثية والمنظمات الحقوقية، وربطها بالإرادة الخارجية عبر علاقات مادية وشخصية لتسيير مصالح هي أبعد ما تكون عن المصلحة الوطنية.

ولهذه المنظمات دور الضغط عبر غوغائية الفوضى وحركة الشارع، لتُبقي جميع الأطراف الداخلية تحت رحمة الخارج، ولاحتكار السلطة والحكم ضمن مسارات وسياسات مرهونة بالإرادة الخارجية.. وفي المحصلة سيكون النصر النهائي من نصيب صاحب المشروع والمخطط الذي يمثله السيد فريدمان، وهو المشروع الاستعماري القديم بحُلّته الجديدة، حُلّة «الحقوق والديمقراطية»، لقطع الطريق أمام أي مشروع وطني حقيقي.

وكانت البداية في العراق حيث حصد التمويل الخارجي أول ثمار نجاحه في شرعنة الخيانة الوطنية، وإلغاء الثوابت الوطنية، وإعدام القيم الأخلاقية.. ذلك الحصاد الذي تمثّل في نجاح الغزو واحتلال العراق، بقيادة شخصية الخائن الدولي «أحمد الجلبي» والجوقة التي لحقت به، ومن هناك بدأت مسيرة تمويل المنظمات لتلفّ المنطقة العربية كلها.

وفي البحرين الشواهد واضحة ويلمسها كل مواطن، وقد صار الدعم والتمويل الخارجي أكثر افتضاحاً منذ فشل العملية الانقلابية في فبراير - مارس ٢٠١٢، حتى اليوم، بكل مظاهر الإسراف التي بالغ فيها «الحقوقيون» و«السياسيون»، وهي مظاهر لا يمكن أن تتحملها ميزانيات أي منظمة أهلية أو شركة تجارية في البحرين. بل لم يعد هناك أدنى شك في دور التمويل الخارجي المحرك لتلك الأحزاب، وما يُدعى الحركات «الحقوقية» في نشاطاتها الداخلية والخارجية، والتي مازالت مصادر تمويلها غير مكشوفة (على سبيل المثال، اكتشفت من خلال عملية حسابية بسيطة لتكاليف سفر أحد تلك الشخصيات «الحقوقية» خلال ثلاثة أشهر، بالمستويات الدنيا لأسعار تذاكر السفر والفنادق، أن الرقم يضاهي ربع مليون دينار بحريني، ٢٥٠ ألف، أي أكثر من نصف مليون دولار أمريكي).

والسؤال يا ترى من يموّل هذا النشاط الذي لم يتوقف على مدار أعوام حتى الآن؟

ومَن يمول أمين عام جمعية سياسية، عدد أعضائها أقل من ٥٠ عضوا، للقيام برحلات خارجية، بين الدول، بهدف تشويه سمعة البحرين في الخارج؟.. وهو نموذج من حركة دؤوب لم تتوقف للجمعيات السياسية التي لم توفر جهداً طوال العام في رحلاتها حول العالم لنشر الأكاذيب حول البحرين، وكانت سقطاتهم كبيرة وأكاذيبهم مكشوفة في كل تلك المهمات الفاشلة.. فيا ترى من يموّلهم؟، ومن يدفع لهم أجورهم؟.. (في إحدى المرات سمعت جواباً شفوياً ساذجاً جداً عن هذا السؤال يقول: انها الأموال الطاهرة التي تزيد كميتها كلما لامستها الأيادي الطاهرة أو تم الدعاء لها بالزيادة.. وكان ردي مختصراً بالدعاء أن يكون الله في عون هذه العقول المسكينة)..

ولا يفوتنا هنا التنويه الى الدعم السياسي الذي يرافق هذا التمويل السخي، حيث هناك سفراء أجانب لا دور لهم سوى دعم أفراد لا يملكون أي مصداقية أخلاقية أو سياسية في المجتمع، في عملية مشابهة لتجربة صناعة أحمد الجلبي الذي يخجل الإنسان من ذكر اسمه. وصار هؤلاء الأفراد نقطة سوداء في سمعة وتاريخ وأداء تلك السفارات والسفراء.

ومما يحير حقيقة هو كيف يقبل سفير دولة عظمى أن ينزل بمستوى بلاده إلى مستوى أشخاص فاقدي الاحترام في المجتمع، ومعروفين بدجلهم وسلوكهم اللاأخلاقي، أمثال أحمد الجلبي البحريني؟!.. وقد صار اسم أحمد الجلبي يسيء الى أية دولة تتعامل معه ومع أمثاله ممن يحاولون شرعنة الخيانة في بلادنا.

وأخيراً هناك حاجة كبرى أن يتبنى المجتمع تشريعاً يطالب كل مؤسسات المجتمع المدني، وخصوصاً الحقوقية والسياسية، بالكشف عن ميزانياتها، وكل مصروفاتها ومواردها، أمام الدولة، كما تكشف الدولة عن ميزانيتها أمام الشعب، لتتعادل كفتا الميزان.. وتتعادل موازين علاقاتنا الدولية.





sameera@binrajab.com



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة