الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٨١ - الأربعاء ١٥ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٣ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الإخوانُ المسلمون ومخاطرُ الشمولية





السؤالُ الكبيرُ الذي يحومُ في المنطقة هل يتقبلُ الأخوانُ المسلمون قوانينَ الحداثةِ الديمقراطية أم سوف يؤسسون أنظمةً شموليةُ تتدرجُ في استيلائِها على الثرواتِ العامة وتنحية الخصوم والقبض على الأجهزة العسكرية والأمنية والوزارات السياسية والاقتصادية الكبرى؟

حتى الآن لا ضمانةَ للجماهير العربيةِ التي ضحتْ بقوةٍ ألا تُعاد المسارات الطائفية والقومية والبعثية والشيوعية نفسها في المنطقة، حيث تبدأ الأنظمةُ القمعيةُ بكلماتٍ خلابة ثم تظهرُ المضامينُ الحقيقية.

لقد خبرنا الطبقات الجديدة في استيلائها على السلطات، وعرفنا الشعاراتَ البراقةَ الخلابة في البدء، وليس من السهولة أن تُخدع الجماهير أكثر من مرة من الأسلوب عينه.

والمقدمات المؤدية لهذا الحكم الشمولي الجديد عديدة:

استمرارُ لغةِ احتكارِ الإسلام لدى كلِ هذه الجماعات المؤدلجةِ للإسلام بأشكالٍ محافظةٍ معبرة عن قوى معينة من بين المسلمين بأنها هي الإسلام، وفي هذا دكتاتورية واضحة لكنها تبدأ من تعميمِ وتضبيبِ اللغةِ السياسية.

وهذه اللغةُ السياسيةُ سبق أن تجسدت بوضوح حاد عملياً في الجهاز السري الذي أسسهُ الاخوانُ في مصر وقام بالاغتيالات وما تلا ذلك من تفريخ للمنظمات العسكرية والإرهابية، ثم انهم ابتعدوا عن ذلك بعد الضربات الأمنية الكبيرة ضدهم، من دون أن يعالجوا هذا التاريخَ نقدياً، وفكرياً، نقدياً عبرَ رفضهِ والاعتذار عنه، وفكرياً بتحليلِ أسبابهِ القائمة على لغةِ التعميم الدينية، بأن حزبهم هو ممثل الإسلام (الكلي)، بدلاً من تحديد الحزب بأنه جماعةٌ سياسية ذاتُ مرجعيةٍ دينيةٍ محافظة تمثلُ طبقات عليا في تاريخ المسلمين ولا تمثلُ العمالَ والفقراء والمنتجين عامة.

واحتكارُ تمثيل المسلمين أو المواطنين عن طريق حزب لا يعني سوى أن الديمقراطية والأعمالَ الانتخابية هي هراءٌ لا معنى له، في ظل أن تنظيماً دينياً هو من البداية امتلك الناسَ وعبرَ عنهم.

وهذا يعني من جهةٍ أخرى تنحيتهم القوى الليبرالية والتقدمية من دينها، والتيارات المسيحية والماركسية من عقائدها، وجعلها ملحدةً بالقوة حسب معاييرهم الشكلية للإسلام، وقمعها مسّبقاً، لأنها لا تعبرُ عن الإسلام الذي ستتجهُ الدساتيرُ في ظلِ مرحلةِ البدايات والارتجال السياسي والتداخل والعفوية، في تكريس الأسس التي يراها هؤلاء للإسلام، كما أدلجتهُ القوى الإقطاعية في العصر السابق.

إن هذه الشعارات السياسية بقولِ كلُ فريقٍ مذهبي إنه هو الإسلام، تمثل خطراً شديداً على المسلمين ووحدتهم وتقدمهم، بل هي خطر حتى على سلامتهم الجسدية، خاصة مع تنامي المحورين الطائفيين في غرب العالم العربي وشرقه، وإتجاههما للاصطفافِ والتناحر خاصة على مسألة سوريا وخطورة تحول هذا التناحر إلى حربٍ دينيةٍ طائفية وقد بدأتْ بوادر من هذا في تلك المعركة الصغيرة في شمال لبنان وداخل سوريا والعراق، ثم سوف تتفاقم وتلتحمُ هذه البذرةُ مع شقيقاتِها الكثيراتِ وخاصة في الحلقة التالية من التطور التاريخي، بعد أن يسقط النظام الدكتاتوري السوري أو يتحول إلى حرب أهلية وتقتربَ النيرانُ من العراق، ويتجه النظام الإيراني لمعاركه الخطرة على كل الجبهات: جبهة مضيق هرمز وجبهة الدفاع عن نفوذه في العراق، وتصعيده الصراعات في الخليج، وبهذا فإن الخطَ التصاعدي للصراع بين الطائفتين هو أمر ليس موهوماً بل يجري بخطورة شديدة مهدداً بحرب طائفية كبرى، إذا لم تتداركها القوى السياسيةُ والعقلانيةُ المخلصة في الأمة العربية خاصة، بإطفاء هذه النيران ونقد المتطرفين والمتاجرين بالمذاهب بادئ ذي بدء.

(معظمُ النارِ من مستصغرِ الشرر) ونحن ليس لدينا شراراتٌ صغيراتٌ بل لدينا جبالٌ من الشررِ، والوقتُ لم يضعْ بعدُ تماماً، أي أننا على بُعدِ خطواتٍ من على حوافِ البركان الذي يلتهمُ في طفولتهِ الراهنة أقدامَنا ووجوهَنا، وقوى الاخوان المسلمين قد سمت نفسها في مصر باسم آخر مرونة، معبرةً بهذا عن فشل التسمية الأم. لكن تغييرَ التسميةِ سطحيٌّ وغيرُ عميقٍ ولا يُقاربُ الشروطَ الديمقراطية الوطنية الحقيقية، وبضرورة عدم المتاجرة بالمذاهب والأوطان وتنحيتها عن معارك السياسة المستغلة للشعارات دائماً.

فالقضيةُ هي تغييرُ الوعي السياسي، وتحول الأحزاب إلى قوى معبرة عن الطبقات والفئات الاجتماعية، أو عن تحالف طبقي معين تفرضهُ شروطُ التحول الديمقراطي الأولي، حتى يتم تجاوز المرحلة التمهيدية ليحددَ الحزبُ إنتماءه الطبقي.

فإذا لم يفعل ودخل بعقلية التعبير الكلي الشمولي عن المسلمين وعن المواطنين وأنه ممثل الشعب وما إلى ذلك من تعابير سياسية غير دقيقة سياسياً، فإنه سوف يقوم عبر هذا بتكوين شمولية عبر الهيمنة على الأجهزة الحساسة وتجميع الأتباع وتكوين طبقة صلدة تقاوم التغيير التالي وتفرض هذه المفاهيم وتؤدلج التعابير الدينية وتحولها إلى منظومة دكتاتورية رسمية بعد أن كانت أهلية فتقع وتؤجج الصراعات الداخلية حتى تتفسخ الأوطان كما فعلتْ الجبهةُ القومية وجماعةُ الانقاذ في السودان.

هذا وقت لابتعاد الأنظمة العربية عن تكوين أنظمةٍ شمولية دينية، ولعدم تصعيد ذلك ولوقف حدوث الانقسام الطائفي المناطقي الذي حذرنا منه منذ سنوات، والأفضل أن تتكون أنظمةٌ ديمقراطيةٌ أهلية تتيح التعددية وتداول السلطة وتقدم نماذج تنموية ناهضة بقوة للجناح الشرقي المتعثر في ذلك



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة