الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٧٨ - الأحد ١٢ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١٩ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الأديانُ والتحولاتُ





تختلف العناصرُ الفكريةُ الاجتماعية في الأديان حسب ظهورها التاريخي والمهمات التي أدتها في تأسيسها، ثم تحول أو بقاء هذه العناصر في المراحل التالية لتطور هذه الأديان.

هذا يعتمدُ على البُنى الاجتماعية التي تدخلُ فيها، وتتأثرُ بأجوائِها، فرغم تباين تلك العناصر بين الدينين المسيحي والإسلامي فإنها تعرضتْ لتأثيراتِ البُنى المختلفة والعصور.

فقد كان عنصرُ العنف مرفوضاً ومنتفياً في نشأةِ وظهور المسيحية، لأن الإمبراطوريةَ الرومانية كانت قائمةً على العنف الوحشي ضد الشعوب ولهذا عبرتْ المسيحيةُ عن التسامحِ والمحبة والإخاء بين الشعوب المتعددة، وهي القيم التي وضعت حدا لتلك الإمبراطورية في خاتمة المطاف ولكن بأساليب عنيفة.

إلغاءُ التسامحِ المطلق وإعادةُ العنف للمسيحية جريا بسببِ حاجاتِ الأنظمة والقوى السياسية إلى العنف كأداةٍ للسيطرة والحروب.

كان الأمرُ مغايراً بالنسبة إلى الإسلام الذي اعتمد الحرب ضد الوثنيين ثم أساساً للفتوحات. واستثمرت هذه النشأةَ الأنظمةُ الاستغلالية والحركاتُ المتعصبة فيما بعد لتؤسس منها رؤيةً مطلقة تبررُ ما تقوم به من أعمال سياسية ذات مصالح ذاتية.

ومن هنا تباينت أوضاعُ مذاهب المسيحية حيال النهضةِ والتحولاتِ الديمقراطية في زمنِ الافتراق عن العصور الوسطى، ففي الوقت الذي كانت فيه البروتستانتية تقفُ مع الإصلاح وضد هيمنة البابا الحاكم المطلق على رأس الإقطاع الدنيوي البغيض ولكن الثمين، فإنها في ألمانيا اختلفت عن غيرها من الدول التي سارعت إلى التوحد القومي والنمو الرأسمالي، فقد تلكأتْ قدرتُها على التوحد القومي، ونقد الكنيسة، فيما أن الكاثوليكية وهي المذهب المحافظ تبدلتْ أوضاعها في فرنسا مركز الحركة الثورية الأوروبية، التي كانت ذات تطور اقتصادي أكبر من ألمانيا وفجرت التحول في قلب أوروبا والعالم، ثم صار لها نفوذٌ استعماري كبير.

هكذا فإن العناصرَ الفكريةَ الاجتماعية داخل الأديان ثم داخل المذاهب التي تنمو من خلال الاختلافات الدينية المعبرة عن صراعات اجتماعية عميقة في المجتمعات، تخضع للبُنى الاجتماعية في البلدان الكبيرة المؤثرة في التطور السياسي.

ولكن السياقَ الاستعماري لكلا البلدين فرنسا وألمانيا، أخضع البلدين لسيرورته.

ففيما فرنسا كانت متمتعة بالمستعمرات وتمارس عنفها داخلها، وتصمتْ الكاثوليكية فيها عن المجازر، كانت البروتستانتية في ألمانيا لا تستجيب لطموحات رجال الأعمال الشرسين الذين فقدوا حتى مستعمرات دولتهم بعد الحرب العالمية الأولى، وتولد تعصبٌ قومي تجسدَ في هتلرية الصليب المعقوف بدلاً من الصليب العادي. وقد دخلتْ العناصر القومية الشمولية من هذه الثقافة الألمانية في بعض الحركات القومية والدينية العربية والإسلامية.

في المذاهب الإسلامية الراهنة وعلاقاتها بالثورات والصراعات يغدو التوجه للنضالات السلمية مميزاً، فظهور هذه النضالات وتدفق الملايين عبرها أتاحا التوحيد للشعوب، وأظهر الدينيون من الإسلاميين والمسيحيين تعاونهم المشترك لبناء بلدان مختلفة، رغم أن خطابات إسلامية عديدة لاتزال في القراءات العنيفة.

وقد تبدل حراكُ المذاهب خلال العقود الأخيرة، خاصة داخل المذهبين الإسلاميين الكبيرين، ففيما عُرف أحدهما بالمحافظة والوقوف مع بعض السلطات، اتجه الثاني للثورات، وتأييد التحولات، لكن هذا الأمر تغير الآن ففيما الأول تحول عن المحافظة وشارك في الثورات، تحول الآخر إلى المحافظة ويشارك بعضُ جماعاته في قمع ثورة عربية كبيرة.

لعل الإطلاق هنا غير دقيق فقد ظهرت تياراتٌ سياسية متعددة من المذهبين، والأمر هنا يعتمد على مواقف التيارات داخل الأنظمة السياسية، ودورها في تنمية عناصر ديمقراطية فكرية واجتماعية أم لا.

فنجد ان تيارات مذهب واحد تتباين في مواقفها، وأن القسمين الليبرالي والمحافظ موجودان ولكن مشاركتهما في التغييرات العاصفة متباينة، فيما أن المذهب الآخر حين سيطرت على حركاته دولةٌ واحدة فقدت تياراته فاعليتها التحولية.

تعددية المذاهب ومقاربتها للحراك الاجتماعي ممكنتان مع تبدل «البابوية»، وسيطرةُ المركز الواحد تقل لكنها لا تزول لأن الدول تنشىءُ مراكزَ جديدة لتوجيه المذاهب والتيارات السياسية المنبثقة عنها.

وعلى مدى تطور التحولات الاجتماعية والسياسية القادمة وانبثاق دول ديمقراطية مدنية، ستجد المذاهبُ والمرجعياتُ استقلالَها وعودتها للبحوث وقراءة التاريخ والفقه، وسوف تؤسس التأثير العميق، وتتطور بشكل أكبر من زمنية خضوعها للدول الشمولية التي وجهتها وجهات واحدة ضيقة.



.

نسخة للطباعة

أين الحكمة يا لوردات بريطانيا؟!

هذه الدعوة التي أطلقها عدد من اللوردات البريطانيين لا يمكن وصفها الا بأنها دعوة جاهلة خاطئة تماما وظالمة. ن... [المزيد]

الأعداد السابقة