الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٨٢ - الخميس ١٦ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

عالم يتغير


في الذكرى الأولى: الوطن ينتصر (٢-٢)





{ بكل المقاييس وبالمنطق يلفظ الوطن كل من ينتصر لنفسه ولا ينتصر له والفارق كبير.

وبكل المقاييس وبالمنطق، وبعد مرور عام على الذاكرة الأليمة، لحراك من تستروا وراء عنوان (شباب ١٤ فبراير) وما تبع ذلك الحراك، الذي حاول اختزال الوطن والشعب في نفسه، نقول ما تبعه من تبعات لاتزال تلقي بردائها الاسود الثقيل على البحرين، وتشيع الكراهية والبغضاء جراء شحن طائفي لا يتوقف تحت عنوان آخر، ولكنه دائم هذه المرة هو عنوان (المظلومية) المدعاة، فإننا نقول وبكل ثقة ان مثل هذا الحراك، الذي جاء الى الوطن بالرياح المسمومة، لا يمكن ان ينتصر في أرض البحرين، ولا يمكن للعنف والارهاب ان ينتصرا، ولا يمكن للكراهية في النهاية ان تنتصر، مثلما لا يمكن للكذب والباطل ان ينتصرا مهما سلحا أنفسهما بالدعم الخارجي، أو بالاعلام الطائفي، أو بمساندة المنظمات الدولية المسيسة والمشبوهة، أو عمل أصحابهما على التبعية لنظريات ومعسكرات ماضوية، ومهما تدرب شبابهم، ورضعوا من الشعارات والاغاني المستوردة ببساطة لأنها لا تنطبق على واقع الحال البحريني.

{ لا يمكن أيضا أن ينصر الله إلا من ينصره، ونُصرة الله تعني بين ما تعني رفع رايات المحبة والسلام والصدق والعمل في ضوء جوهر وأسس الروح الدينية والأخلاقية الصحيحة، وفي مضمار من الحق بيّن لا زيف فيه ولا خداع ولا تآمر ولا تخطيط من خلف الستار، ولا غدر بقطاعات كبيرة من الشعب، ولا عمل في اطار العنف والتخريب والافساد في الارض باسم الاصلاح، أو الاعتداء على حياة وممتلكات الناس، فكل ذلك مدعاة لغضب الله وليس لنصرته مادام الشعار المرفوع لهؤلاء (منصورين والناصر الله).

{ تلك الازدواجية المروعة بين شعارات النُصرة والانتصار وبين ما يفعلونه على أرض الواقع، هي ذاتها المسافة الفاصلة بين الحق والباطل، وبين الصدق والكذب، وبين السلمية والعنف، وبين موالاة الوطن وخيانته، وبين حب الشعب والغدر به، ولذلك فإن الباطل لا يمكن ان يؤسس للحق، والافساد في الارض لا يمكن ان يؤسس لإصلاحه، مثلما الجنون لا يمكن ان يؤسس لتفكير عقلاني ومنطقي وواقعي، وعمى البصيرة أشد أنواع العمى.

{ حراك (١٤ فبراير) والمتسترين خلف عنوانه، لم يدركوا بعد ان الوطن أكبر منهم، وان الذاكرة الجمعية لهذا الشعب، وهي التي تختزن كل تاريخ وحضارة وأخلاقيات الناس الذين عاشوا على هذه الارض الطيبة، الآمنة والمستقرة، هي التي تشحذ همتهم في الدفاع عن وطنهم وعن حقهم وعن أمنهم وعن أخلاقياتهم، التي يستبيحها للأسف أصحاب هذا الحراك، الذي لا يرى إلا نفسه، وإلا أكاذيبه، ومظلوميته التاريخية أو السريالية، التي لا دخل للبحرين أو شعبها فيها.

{ بكل المقاييس وبالمنطق الوطن ينتصر في النهاية لمن ينتصر له، بلا زيف وبلا خداع وبلا أجندات فئوية أو طائفية أو خارجية، ماكرة.

ولذلك - ونحن نستعيد ذاكرة ودروس عام مضى - نتأكد يوما بعد يوم، ان هذا الوطن هو المنتصر في النهاية، سواء لنفسه أو لشعبه المخلص أو لتاريخه أو لحضارته، مهما امتدت ألسن البعض ومهما تطاولت، ومهما حملت من بذاءات وكراهية ومحاولة لاسترجاع أحداث في التاريخ مرت عليها مئات السنين، ومهما حاولت تكريس ثقافة دخيلة لا تنتمي إلى ثقافة وحضارة هذا الوطن، وانما تنتمي إلى ثقافة عنصرية شوفينية ذات أطماع.

{ في الذكرى الأولى، لما سميناه ذكرى الخيانة وذكرى الارهاب الذي أخذ أشكالا متعددة، ما بين ارهاب جنائي، أو ارهاب عقدي وسياسي، أو ارهاب أخلاقي، أراد أصحابه تكريس نوع جديد من الديكتاتورية تحت ضغط عنف الشارع والتخريب، فإنهم - وهم الذين توعدوا وهددوا (باعادة فاعلية الازمة وأحداثها) الى الكيفية الغادرة التي انطلقت منها - قد باءوا بالفشل مجددا، وسيظل الفشل ملازما لهم، طالما انهم يستمدون لغتهم من الوهم والارهاب، فلا أحد ينتصر على وطنه أو على غالبية شعبه بمثل تلك اللغة، لأنها باختصار لا تمثل حقيقة الولاء للوطن، ولا تمثل الارادة الشعبية الحقيقية، ومهما كبر الوهم بعد ذلك في الحديث باسم الوطن وباسم الشعب وارادته فإن نهايته الخذلان.

{ في الذكرى الأولى، نستعيد حجم التغول الخارجي على البحرين، ونستعيد حجم ما تم ارتكابه من خطايا لتشويه سمعة البحرين، ونستعيد الفعل الذي قامت به «فئة» مازلنا نراها ضالة وظالمة لوطنها وشعبها، ونستعيد مع الفعل الغادر، ردة الفعل التي حمت البحرين ولاتزال تحميها وقد انطلقت شرارتها من «الفاتح» وعادت هذه الايام لتنطلق مجددا منه.

نستعيد حجم الصدمة وحجم القلق وحجم الارق على مصير البحرين، وهي الاحجام التي استفزت بعدها الارادة الشعبية الحقيقية للدفاع عن الوطن وعن النفس من العبث بالمصير.

نستعيد حجم التحديات، التي واجهها هذا الشعب بانضباط وضبط للنفس وحكمة هي التي معا أذهلت العالم كله وأبهرته، وجعلته يراجع أوراقه وقراءاته وتحليلاته.

نستعيد القدرات الفذة لهذا الوطن في امتصاص الصدمات والهزات كإسفنجة ضخمة أحاطت به.

نستعيد كيف تحدى هذا الوطن وشعبه ورجال أمنه كل أشكال الاستفزازات والضغوط ليخرج من الرحلة القاسية بأقل الخسائر الممكنة التي ينتظر تزايدها المتربصون.

نستعيد صبر الدولة وحكمتها ومرونتها، في تفويت الفرص أيضا على من تربص بكل شيء في وطنه، ليختطفه في اتجاه ابحار في المجهول ولا يقود إلا الى المجهول نفسه.

{ نستعيد كيف انتصر الوطن ولايزال ينتصر برعاية من الله وحفظه. نستعيد كيف تحولت المحنة في لحظة فاصلة الى منحة بعد أن سقطت ورقة التوت وبانت العورات.

هذا الوطن لا يمكن أن ينتصر للظلم باسم المظلومية، ولا للعنف باسم السلمية، ولا للإفساد باسم الاصلاح، ولا للكراهية باسم المحبة. هذا الوطن ينتصر فقط للعناوين والمضامين الحقيقية، وللأقوال التي تطابق الأفعال، ولمن هو حريص عليه أكثر من حرصه على نفسه.

هذا الوطن انتصر في العام الماضي وسينتصر بإذن الله على كل من يتربص به شرا في الأيام القادمة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة