الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٧٨ - الأحد ١٢ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١٩ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

عالم يتغير


ذكرى الأزمة وإعادة تدوير الوهم





* منذ أيام ومع الاقتراب من ذاكرة يوم ١٤ فبراير، وما حملته وما يليها من أيام من فواجع وصدمات للشعب البحريني، وبما كشفته من سلوكات عنف وتخريب واصطفاف طائفي، ضرب في عمق الوحدة الوطنية، ولاتزال آثارها تجتر نفسها حتى اليوم، وبما كشفته تلك الأيام أيضاً بين ١٤ فبراير وما بعد منتصف مارس، من ممارسات ترويعية ضد الجالية الآسيوية وضد الطلبة في الجامعة، وممارسات لا أخلاقية في إطارها الطائفي في المدارس والإطار التعليمي والمؤسساتي بشكل عام، وما أنتجه احتلال «السلمانية» من سلوكات خيانة المهنة الطبية السامية، إلى جانب الأضرار الاقتصادية جراء الاعتصام في المناطق الحيوية في العاصمة، كالدوار والمرفأ المالي، والمسيرات الاستفزازية وغير ذلك كثير، مما بات اليوم معروفاً بدقة المعايشة اليومية له آنذاك من الشعب البحريني...

* ...كل ذلك تمّ في إطار «الحراك الطائفي الانقلابي» الذي حاول الانقلاب على الدستور، وعلى الميثاق، وعلى العقد الاجتماعي بالقوة والعنف، والذي كان يدور في وهم أصحابه إمكانية تحقيق ذلك، عبر الاستقواء بالخارج، لتفشل المحاولة الانقلابية، وليتكبد أنصار وأتباع هذا الحراك، خسائر كبيرة بدورهم، وعلى الرغم من ذلك فإن قيادات هذا الحراك حتى اللحظة، لم يفيقوا من وهمهم، ولا من تسلطهم على الحياة البحرينية الآمنة والمسالمة، ولم يعتذروا إلى الشعب وإلى الوطن عن حجم الأخطاء الكبيرة التي مارسوها في حقهما، بل وجدوا أنفسهم - وهم محاصرون بالفشل من كل جانب - أمام (خيار الاستمرار في الوهم) والغلو فيه، خاصة بعد انتهاء السلامة الوطنية، ليعيدوا تدوير اسطوانات ذلك الوهم، مجدداً بشعارات تفخيمية، لا مكان لها من الإعراب على الواقع السياسي الحقيقي، مثل «الدفاع المقدس» و«عائدون» و«هذه شوارعنا ونحن أحرار فيها» و«الصمود» و«المقاومة»، ناهيك عن الشعارات التي لا تحمل أي مصداقية في التطبيق مثل «طوفان المنامة» و«زلزلة الاقتصاد» وغير ذلك من مبالغات لفظية في وصف حراكهم البائس، الذي تقتصر مفاعيله الحقيقية حتى اللحظة على ممارسة العنف والتخريب بشكل صبياني، وعلى التدرج نحو الإرهاب تحت غطاء اللثام الذي يغطي الوجوه المناضلة.

* اليوم ومع اقتراب ١٤ فبراير، يلجأون في ظل معايشة الوهم الكبير الذي يسيطر على عقولهم، إلى لغة التهديد وبث الشائعات، وإعادة مشهد لبس الأكفان، لكأن مرضا سيكولوجيا قد استبد بنفوسهم بعد الفشل الذريع، يحرضون ويحشدون ويخطبون خلف الميكروفونات، ويبثون أغاني حماسية حول البطولة والنضال والمقاومة (أي مقاومتهم) والاحتلال، ويملأون الفضائيات الطائفية بالتهديد والوعيد، وتيتي تيتي... وعادت حليمة إلى عادتها القديمة.

وسواء بمعطيات أرض الواقع، أو بتحليلات الفكر السياسي، فإن الأمور تغيرت في البحرين كثيراً منذ فبراير الماضي في اتجاه الوعي بحراك هؤلاء على المستويين الشعبي والرسمي، والوعي بالمخططات والأجندات، وعلى الرغم من الضريبة التي دفعها أتباعهم المخدوعون، فإنهم كرؤوس فتنة وقيادات، لا يملكون شجاعة الاعتراف بأخطائهم، وبدلا من أن يخرجوا من هلوسات الأوهام إلى منطق الواقع، وحيث الحقائق تكشفت في كل مكان في الداخل وفي الخارج، والدولة قامت بمراجعة وتصحيح ما لديها من ثغرات أو أخطاء وقامت بخطوات كثيرة، إلا ان هؤلاء مستمرون في أوهامهم ويعتقدون أنها أحلام قابلة للتحقيق، عبر العنف والتخريب والإرهاب، ومستمرون في طرح شعار المظلومية المخادعة، وفي الإصرار على مفرداتها لدى أتباعهم وعلى التسقيط والإساءة إلى القيادة وإلى الشعب، فيما هم عُراة تماماً أمام غالبية هذا الشعب، إن لم يكن أمام العالم الخارجي كله، ولا يسيئون إلا إلى أنفسهم.

* الغريب ان أدبياتهم وخطابات تحريضهم وتحشيدهم لاتزال تعتمد ذات اللغة في سوق الأكاذيب والاهام، وتستند إلى ذات القوى الطائفية خليجيا وإقليميا، وتمارس ذات الأساليب في تصعيد العنف والإرهاب، بل استعراض ما يتشبه بمليشيات حزب الله في لبنان والعراق، وتأتمر بذات الأوامر المرجعية من الولي الفقيه، أو من سفارة إحدى الدول الكبرى، وتعتقد أنها بذلك ستقنع العالم بسلميتها وبوطنيتها كمعارضة، وبمطالبها في الديمقراطية التي تقفز بها على كل ما تحقق من ديمقراطية وإصلاح على أرض الواقع.

* وهي حين تفعل ذلك، وتتبارى في كيفية استخدام الوهج الإعلامي سواء الطائفي أو الدولي، المتوقع احتشاده على مرأى المشهد القادم خلال ذكرى مرور سنة على الأزمة في ١٤ فبراير، فإنها تتصور أنها ستعيد حراكها الانقلابي الذي تسميه اعتباطاً «ثورة» إلى نقطة الصفر التي بدأت منها في فبراير الماضي ثم البناء عليها، متجاهلة حجم المتغيرات حولها، التي لا تريد أن تراها أصلاً لكي تعترف بها، ولتغطس مجدداً في «بحر الأوهام» الذي سبحت فيه طويلاً خلال عام بأكمله، ولم تصل إلى الآن إلى بر الأمان، بما يفيد أن القراءة الخاطئة للذات وللواقع مستمرة في استبدادها بعقولهم، ولا يهمهم كقيادات سياسية أو دينية أن يدفعوا أتباعهم وأن يدفعوا الأطفال والنساء والمراهقين، إلى مزيد من الاحباطات والتضحيات المجانية، ولتمارس تلك القيادات الانقلابية منتهى فوضاها الفكرية والسياسية، وفتاواها الداعية إلى الاستمرار في العنف والسحق والتخريب، ومحاولة إعادة تدوير الأزمة، وإحداث المزيد من الشروخ والتفتيت في أسس السلم الأهلي وشق الصف الوطني.

* لهؤلاء نقول: مهما مارستم من تصعيد في العنف والتخريب فقضيتكم «خاسرة» لأنها مبنية على باطل، فأي حراك يقوم على الطائفية هو باطل، وأي حراك يُقسم الشعب هو باطل، وأي حراك يضرب في السلم الأهلي هو باطل، وأي حراك يرتهن لولاءات خارج الوطن هو باطل، وأي حراك يستقوي بالخارج على وطنه وعلى شعبه الرافض له هو باطل، وأي حراك يعتمد على لغة العنف والإرهاب هو باطل باطل، وأي حراك يستمد شحنه من فتاوى التحريض على القتل والسحق هو باطل، وأي حراك يعتدي على الآمنين والمدنيين وعلى رجال الأمن الذين يؤدون واجبهم الوطني هو باطل، وأي حراك يريد الانقلاب على الدستور وعلى الميثاق وعلى العقد الاجتماعي عبر العنف والإرهاب هو باطل، وأي حراك يعتمد على الكذب والتقية والفبركة والتضخيم المجاني للاستخدام الإعلامي هو باطل، وأي حراك يوجه المجتمع إلى نسف أخلاقياته وهويته وانتمائه وعروبته وإسلامه الصحيح هو باطل، وأي حراك يضع الأطفال والمراهقين والنساء في واجهة استعراضاته العنفية هو باطل، وأي حراك يعتمد على زواج المتعة بين إيران وأمريكا هو باطل باطل.

والباطل مهما فعل سيبقى باطلا، ولذلك فالنصيحة هي أن يخرج هؤلاء من الوهم أولا ثم من الباطل ثانيا، ليتنشقوا بعدها نسائم الحق الذي يدعون باطلاً أنهم يعملون من أجل نُصرته.

لقد خسرتم، وإن لم تعترفوا بذلك، فستكون خسارتكم أكبر.



.

نسخة للطباعة

أين الحكمة يا لوردات بريطانيا؟!

هذه الدعوة التي أطلقها عدد من اللوردات البريطانيين لا يمكن وصفها الا بأنها دعوة جاهلة خاطئة تماما وظالمة. ن... [المزيد]

الأعداد السابقة