الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٨٢ - الخميس ١٦ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

في الصميم


كيف كان النواب رائعين؟!





نادرا ما يكون لمجلس النواب هذا الموقف الذي كان له في جلسته أمس الأول.. ونادرا ما يكون له هذا الاجماع الكامل والساطع والقوي.. وليس مطلوبا منه أن تكون له على الدوام هذه الدرجة العليا من الاجماع.. ولكنه ميثاق العمل الوطني الذي سبقهم الشعب في الاجماع عليه عن بكرة أبيه عندما قال كلمته قبل احد عشر عاما وصوت بنسبة ٩٨,٤%’ وكانت المعارضة التي تنكبت الطريق ثم تحولت الى النقيض اول المصوتين والمباركين لميثاق العمل الوطني الذي سيكتب له الخلود بإذن الله وبإرادة الشعب.

ولم تقتصر هذه الوقفة الرائعة التي كانت لنواب الشعب امس الأول على اعلان تمسكهم بميثاق العمل الوطني.. بل كان هناك ما هو أكثر روعة عندما اعلنوها مجلجلة أنهم لن يرضوا بغير النظام القائم بديلا.. ولن تكون لهذا الوطن وحدته الا تحت راية حمد بن عيسى وآل خليفة الكرام الذين اكدوا ولاء واخلاصا لهذا الوطن لا ينكره الا كل من وقع فريسة لأعداء الوطن والطامعين فيه من خارج حدوده.

روعة هذه الجلسة في انه لم يكن هناك صوت واحد قد نطق بغير ما أجمع عليه المجلس في هذه الجلسة.. وهذا – كما اشرت – لا يحدث الا نادرا, ولكنه الميثاق والولاء الكامل لقادة الوطن.

واذا كان في هذه الجلسة التاريخية ما يسر ويطمئن القلوب المحبة للبحرين فقد كان هناك وفي الجلسة نفسها أيضا ما يبكي ويدمي القلب.

شعر الجميع بصدمة عنيفة وهم يستمعون الى مداخلة النائب الحر الصميم حسن الدوسري وهو يقول مصدوما: لم أصدق وأنا أرى رجال شرطة وهم يدافعون عن أنفسهم بإلقاء الحجارة على من يرمونهم بـ «المولوتوف» ليحرقونهم ويقتلونهم.. ذلك لأن القائمين عليهم أرادوا ألا يكون هناك دماء واقتتال بين أبناء الوطن الواحد.. ففضلوا أن يكون رجال الأمن عزلاً من كل ما يمكن أن يؤذي أو يميت!

وبنفس الدرجة من الصدمة تقريبا شعر النواب والمستمعون اليهم أو المتابعون لأدائهم بالأسى وهم يستمعون الى النائب عبدالرحمن بومجيد ينبه الى غياب الساحة من أي حذر واجب نحو مكاتب ممثلي المنظمات الذين يعملون على ارض البحرين تحت ادعاء كاذب لحماية حقوق الانسان.. بينما حقوق الانسان منهم براء.. ذلك انهم يعملون مدفوعي الأجر على تأجيج الخلاف والاحتقان بين ابناء الوطن الواحد.. وكان دليله هذين الأمريكيين اللذين تم ترحيلهما بعد ضبطهما يمارسان التحريض والتأجيج من داخل مظاهرة غير مرخص لها.. ثم جاء الدليل الأكبر على صدق طرحه عندما أعلن في نفس الليلة ترحيل (٦) أمريكيين آخرين ضبطوا يشاركون في مظاهرة غير مرخص لها.. وقالها النائب في حرقة عندما أشار – مؤكدا - الى ضرورة الأخذ مما يحدث في مصر الشقيقة عظة وعبرة, حيث تأكد بالدليل القاطع إن منظمات دولية ومكاتبها على ارض مصر وراء التخطيط والتأجيج والتمويل لاحراق قلب الأمة العربية بكاملها.. ثم كشفت امريكا نفسها عندما سارعت الى التهديد والوعيد لمصر بعدما قبضت السلطات المصرية على اعضاء هذه المكاتب والمنظمات والبدء في تقديمهم الى محاكمات عادلة!.

وبقدر ما كان للسادة النواب من موقف في ذكرى الميثاق يرقى الى درجات عليا من الروعة والوطنية.. فقد كان لهم للأسف وفي نفس الجلسة موقف أراه – وبكل صراحة – «دون المستوى» عندما عادوا ليهددوا ويطالبوا من جديد بضرورة أخذ رغبتهم وحدها من دون غيرها بالمسارعة نحو التنفيذ الفوري.. وأقصد بالضرورة قرارهم بتأجيل تطبيق مشروع تمديد اليوم المدرسي.

أقولها بصراحة – وقبل أي شيء آخر - ان هذا الموقف المتعنت سببه هو شعورهم أن هناك من يخالف رغباتهم عندما لجأ وزير التربية والتعليم الى البدء في تنفيذ مشروع تمديد اليوم المدرسي بحسب القرار الصادر عن مجلس الوزراء المُبارك للمشروع والمُحدِّد لموعد بدء تنفيذه.

هالهم أن يكون هناك من يضرب بقرار لهم عرض الحائط, قالوا ذلك بالضبط.. كما قالها الشيخ عادل المعاودة أكثر وضوحا وصراحة عندما قال: إن السلطة التشريعية هي التي تقرر والسلطة التنفيذية هي التي تنفذ!

والحقيقة المرة انه لا هذا ولا ذاك.. المسألة كلها أن المجلس الموقر أصدر قرارا بأغلبية الأصوات بالموافقة على اقتراح برغبة بتأجيل تطبيق مشروع تمديد اليوم المدرسي حتى تتهيأ الظروف للتطبيق.. ووزير التربية رأى وأكد – وهو الأدرى – أن الظروف سانحة ومهيأة.. كما رأى أن جميع الاستعدادات قد انجزت على اكمل وجه وأصبحت مسِّوغة ومبِّررة لبدء التنفيذ من دون تأخير حتى ينهض التعليم وتنهض معه الأمة.

والحقيقة الأكثر مرارة أن هذا القرار الذي اصدره مجلس النواب كان بشأن مجرد اقتراح برغبة.. وان هناك ما يناهز الألف اقتراح برغبة للسلطة التشريعية – على مدى مسيرتها - لم تجد طريقها نحو التنفيذ رغم إن معظمها صدرت القرارات حولها باجماع كامل.. ولم يغضب المجلس الموقر بسبب ذلك أو يتخذ أي تحرك يمكن أن يرقى الى مثل هذه الضجة التي عبر عنها في جلسته أمس الأول!

والحقيقة الأنكى هي أن السادة النواب قد شعروا بشيء من الغيظ.. فكيف انهم يصدرون قرارا يوم الثلاثاء بتأجيل التنفيذ.. ثم يضع وزير التربية والتعليم المشروع موضع التنفيذ يوم الأحد الذي يليه بينما الصحيح هنا هو ان المجلس قد أبدى رغبة تعبر عن رأي.. وبعث به الى الحكومة, وهو المؤمن بحرية الرأي والتعبير.. وأحد المدافعين الكبار عن ممارسة حرية الرأي على ارض البحرين.. ووزير التربية والتعليم عبر عن رأيه ورأى أن التنفيذ هو في مصلحة الطالب, وفي صميم المصلحة الوطنية .. ثم إن الوزير لم يفعل أكثر من انه قد نفذ قرارا سبق صدوره عن مجلس الوزراء.. ومن غير المقبول ان يهدد بعض السادة النواب باستخدام ادوات اخرى بحق الوزير.. ومن بينها – كما ألمحوا - الاستجواب.

هذا غير مقبول بالمرة أن يصدر مثل ذلك عن مجلس كبير له سمعته الطيبة والمدوية في ارجاء المنطقة العربية كلها.. وقد تتجاوزها!



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة