الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٧٦ - الجمعة ١٠ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١٨ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

في الصميم


هل تعتذر الوزيرة؟!





يُشبّه بعض الكتاب مجلس النواب البحريني بمدرسة المشاغبين.. ولم يتورع هؤلاء البعض عن توزيع الأدوار نفسها التي كانت لأبطال وممثلي مدرسة المشاغبين على عدد من أعضاء مجلس النواب.. ولم ينس موزعو الأدوار معالي رئيس المجلس فشملوه بهذا التوزيع أيضا!!

والحقيقة أنا أرى أن هذا التشبيه مبالغ فيه.. وإن كنت لا أنفي أن لكل برلمان مهارات معينة يتفوق فيها ولا يجيدها غيره.. وأن مهارة مجلس النواب البحريني تكمن في إدارة الخلافات والاشتباكات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.. وعلى وجه التحديد بين النواب والوزراء إلى درجة المبالغة المعطلة للمجلس والمهدرة لوقته والمسيئة إلى العلاقة بين السلطتين الكريمتين.. والتي يجب أن تكون راقية استنادا إلى أن شعب البحرين شعب متحضر، وأن البحرين كلها أسرة واحدة، وإن كان البعض يرى أن مجلس النواب البحريني من دون هذه المهارة سيكون مستأنسا، وان هذه الصفة «الاستئناس» غير مستحبة في أداء البرلمانات إلى درجة أنها يمكن أن تفسد أداءه.. لذا علينا أن نسلم بأن الخلاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية واجب، لكن المبالغة أو التجاوز فيه هو المرفوض.

آخر الخلاف «الواجب» بين السلطتين التشريعية والتنفيذية هو ما حصل في الجلسة قبل الماضية بين عدد من السادة النواب وبين وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة.. وموضوع الخلاف - كما رأينا - كان حول ما يحدث على الساحة السياحية.. وكان ينحصر في الحوار بين الوزيرة وبين النائب حسن بوخماس «في إطار بند الأسئلة التي تدور بين النواب والوزراء»، ثم تدخل عدد من السادة نواب الأصالة، هذا التدخل «غير الواجب» هو الذي ألهب الحوار ورفع درجة الحرارة من تحت القبة، وأنذر بوقوع صدامات غير مستحبة.. وعندما أقول بأن هذا التدخل «غير واجب» لأن هذا التدخل يشكل خروجا صارخا على الأعراف البرلمانية ومخالفة صريحة للدستور، وللائحة مجلس النواب التي تقضي بأن السؤال يقتصر على أن يكون بين السائل «النائب» والمسئول «الوزيرة»، حيث لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يشارك فيه غيرهما.

وعندما أقول «غير واجب» فإنه من البهديهي أن الجميع يعلمون أنه إذا تدخل طرف ثالث في حوار السائل والمسئول وبهذه الحدة والحساسية فلابد أن تسخن الجلسة وتلتهب ويصبح الصدام وشيكا إن لم يكن مؤكدا.. وقد وقع هذا الصدام بالفعل إلى الدرجة التي قالت خلاله الوزيرة كلاما أغضب السادة النواب ومن ثم طالبوها بالاعتذار عنه.

والآن ماذا قالت الوزيرة بالضبط؟ بصراحة لم أطلع على مضبطة الجلسة حتى أسجل ماذا قالت بالضبط.. لكن ما فهمته أثناء حضوري الجلسة هو أن الوزيرة قد أرادت القول: إن هناك من يخوضون في أمور السياحة وهم لا يفهمون شيئا عنها فيسيئون إلى وطنهم في الداخل والخارج.

وإزاء ما حدث.. فقد يفهم أو لا يفهم من سياق حديثها أنها تقصد السادة النواب الكرام.. فإذا رأت الوزيرة ? وهي بنت الأصول التي لا تنقصها الشجاعة الأدبية ? أن تعتذر إذا كان هم المقصودين فهذا من شيم الكبار.. وإذا رأت أنها لا تقصد السادة النواب وكان ما أطلقته قد جاء عبر جسر التعميم وان الأمر لم يصل إلى درجة الاعتذار الواجب.. فإن ما نأمله من السادة نواب «الأصالة» وهم كبار وأجلاء أن يتجاوزوا الموقف.. و«شيم الكبار» مؤكدة ومتأصلة وراسخة فيهم جميعا.. فيكون ذلك أفضل تفاديا لأي احراجات، وكل ذلك تحت مظلة الأسرة الواحدة التي ستظل تظلل البحرين كلها إلى الأبد بإذن الله.

ونصل إلى ما يحدث في مجلس الشعب المصري لأقول إن ما قالته إحدى الكاتبات مؤخرا من أن وصف مدرسة المشاغبين ينطبق على مجلس النواب البحريني ليس دقيقا.. بل إن هذا الوصف يسري بكل ما يعنيه وصفها على مجلس الشعب المصري.

لقد قام البعض بحصر عدد المرات التي نطق فيها الدكتور الكتاتني رئيس مجلس الشعب المصري عبارة «اجلس» والتي وجهها إلى النواب الواقفين المخالفين بملء حنجرته وبأعلى صوته وعبر إثارة بالغة لأعصابه فوجدوا أنها بلغت (٣٠٠) مرة في جلسة واحدة!!.. الأمر الذي يخشى معه الجميع خطرا بالغا على حياته وهو في هذه السن.. وخاصة أنهم يطلقون على هذا المجلس «مجلس الثورة» وأنه جاء ساخنا وملتهبا ويحمل في طياته مخاطر داهمة على الجميع وأولهم رئيس المجلس!

ويرى المحللون البرلمانيون إنه سيكون هناك الكثير والكثير الذي سيفاجئ به مجلس الشعب المصري الجميع على شاكلة ما لجأ إليه النائب الأستاذ ممدوح إسماعيل عندما فاجأ الرئيس والمجلس كله والمشاهدين عبر العالم وأقدم على تلاوة حديث شريف ثم أداء آذان العصر أثناء سير الجلسة ومن دون استئذان من الرئيس أو موافقته!

ورغم أن الرئيس قالها بعصبية وبأعلى صوته للنائب «اجلس أنا لم آذن لك»، فإنه لم يمتثل إلى ندائه وأكمل الآذان حتى نهايته مصرا على أنه كان على الحق وليس فيه أي تجاوز.. إلى أن وقف فضيلة النائب والعالم الأزهري الجليل ليعلن أن ما فعله النائب ممدوح إسماعيل خطأ لا يجوز.. مرسيا مبدأ يجب احترامه للحيلولة دون تكرار هذا الشيء نفسه وخاصة أن مصر تعيش مجلسا نيابيا النسبة العظمى من نوابه من الإسلاميين الذين يتوقع منهم تكرار هذا الشيء!!

قلوبنا مع رئيس مجلس الشعب المصري.. وكل رؤساء المجالس البرلمانية على وجه الأرض.. في زمن نشهد فيه انفلاتا في كل شيء.. وتسوده المزايدات والتجاوزات والمساومات.. والرغبات الجامحة في «الشو الإعلامي».. وقد قالها الرئيس الكتاتني لممدوح إسماعيل صريحة «اجلس يا ممدوح أنت لست في حاجة إلى شو إعلامي.. فأنت محامي وعندك منه الكثير»!!



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة