الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٩٥ - الأربعاء ٢٩ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ٧ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الأزمة اليونانية (٢)





قلنا أمس إن دول الاتحاد الأوروبي بات لديها قناعات بأن من الأصلح لاقتصادها في هذه المرحلة من التطورات الاقتصادية، أن تجري عملية جراحية عاجلة، لاستئصال اليونان التي تمثل حالة المرض المستعصية من جسد الاتحاد، قبل أن ينتشر سرطانها في باقي جسد المنظومة التي تضم ٢٧ دولة.

ويبدو أن تساقطا أشبه بتساقط أحجار الدومينو، سوف يستتبع خروج أي دولة من دول منطقة اليورو من المنظومة الأوروبية، وهو أمر لا يستبعده الكثير من الاقتصاديين وأصحاب القرار، مبررهم في ذلك، أن دولا مثل فرنسا قطرا قويا على المستوى الاقتصادي والمؤسساتي، باتت كبرى مصارفها تئن تحت وطأة الأزمة، فيما تـُتهم دولة مثل ألمانيا بأنها كانت المسببة للأزمة التي تمر بها اليونان، وبالتبعية كل دول المنظومة الأوروبية المتضامنة في إطار سياسة (اليورو زون)، وهو أمر قد يخلق (فتنة أوروبية كبرى) تفتت المنظومة التي عني من إنشائها أن تكون سدا منيعا ضد أية هزات مالية أو اقتصادية عالمية، فإذا بالنقيض يأتي ويقلب كل موازين قادة الفكر والرأي والحل والربط في أوروبا، إلا من سلمت من دولها مثل بريطانيا التي يبدو أنها الدولة التي ستكون في مقدمة دول أوروبا تعافيا من تبعات الأزمة.

في دول اليورو زون، معضلة اقتصادية كبيرة، ومستقبل مخيف لاقتصاداتها، حيث لا يتوقع الاقتصاديون أن يتعافى الاقتصاد الأوروبي قريبا من تبعات الأزمة، ويصبح قادرا على الإنتاج والمنافسة، وهو ما سوف يدفع بالعملة الأوروبية الموحدة (اليورو) إلى تراجعات حادة مقابل الدولار الأمريكي، وبالتالي التقهقر عن مكانتها التي أريد لها أن تكون سيدة للعملات العالمية، وبديلا للدولار الأمريكي وحدة حساب وقياس عالمية تحسب على أساسها قيم السلع في جميع بورصات المعادن حول العالم.

الأوروبيون يبذلون جهودا حثيثة حاليا لعدم السماح لليورو بالانهيار، من خلال مجموعة من المحاولات التي لا تعدو أن تكون مجرد (مسكنات) سريعة، مثل ضخ المركزي الأوروبي ما يسمى (الأموال الرخيصة) في النظام المصرفي، غير أن ذلك لا يشكل مقوما أساسيا من مقومات استمرار أو بقاء العملات عند مستويات مرتفعة مقابل وحدة حساب عالمية مثل الدولار لفترة طويلة.

أمس ارتفع اليورو مقابل الدولار بسبب ضخ المركزي أموالا تعزيزية، أقل من نصف نقطة مئوية إلى مستوى ١,٣٤٦ دولار، غير أنه قياسا بسعر صرف اليورو في فبراير ٢٠١١، أي قبل عام عند ١,٤٠٥، ومع الأخذ في الاعتبار، أن الوضع الاقتصادي الأوروبي حقق تحسنا كبيرا عما كان عليه قبل عام، فإنه لا ينبغي أن يكون الفارق بين مستويي سعر الصرف بين فترتي الرصد سلبيا، وهو مؤشر خطير على أن العملة الأوروبية الموحدة تتجه بحدة إلى مستويات تنازلية.

وهنا تأتي النتائج معززة للتوقعات التي طرحناها آنفا، من أن حالة أشبه بحالة أحجار الدومينو سوف تصيب منظومة اليورو زون في أي وقت من الأوقات، إذا ترك الأوروبيون اليونان تدفع وحدها ثمن أخطاء جماعية ارتكبها الأوروبيون المنضوون تحت قبة الاتحاد.





عبد الرحيم فقيري



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة