لا هم أساتذة ولا نحن تلامذة
 تاريخ النشر : الأحد ٤ مارس ٢٠١٢
السيد زهره
تحدثت بالأمس عن الفضيحة التي شهدتها بريطنيا مؤخرا عندما تم اجبار البارونة جيني تونج عضو مجلس اللوردات على الاستقالة من حزب الديمقراطيين الأحرار لمجرد انها ادلت برأي يتضمن انتقادا للكيان الاسرائيلي. وقلت ان ما جرى يعني في جوهره قتلا للديمقراطية وللحرية.
هذه القضية هي مناسبة لنتأمل في بعض الجوانب المتعلقة بعلاقاتنا في الوطن العربي مع الغرب، وخصوصا من هذه الزاوية... زاوية موقع قضية الديمقراطية في هذه العلاقات.
لقد ذكرت ان ما حدث في بريطانيا يأتي في سياق ظاهرة عامة تجتاح الغرب في السنوات الأخيرة. ونعني بذلك ان الدول الغربية كلها تشهد منذ سنوات ظاهرة التراجع المخيف في القيم والممارسات الديمقراطية. وتشهد صعودا رهيبا للعنصرية والتطرف وعدم التسامح، بل والنزعات الفاشية الصريحة. وهذه الظاهرة هي على اية حال موضع نقاش منذ فترة في اوساط كثير من المفكرين في الغرب.
لسنا هنا بصدد مناقشة ابعاد هذه الظاهرة. لكن من المهم ان نشير الى ان هذه الظاهرة تتجلى اكثر ما تتجلى في مجالين اساسيين:
الاول: عجز النخب السياسية والفكرية والاعلامية في الغرب عن اتخاذ أي موقف مستقل عن الكيان الاسرائيلي وما يمليه اللوبي الاسرائيلي في الغرب، وعدم قدرتها حتى على التسامح مع من ينتقدون الكيان الاسرائيلي في اطار الحريات المفترضة والتعبير الحر عن الرأي. وفضيحة البارونة ما هي الا مجرد مثال على ذلك.
والثاني: التصاعد المخيف في المواقف والممارسات العنصرية العدائية للمسلمين عامة، وللمسلمين الاوروبيين خاصة.
كما نعلم، المسلمون في اوروبا ومنذ سنوات عرضة لحملة ضخمة تستهدفهم على جميع المستويات الاعلامية والسياسية والممارسات العملية. ومشاعر الكراهية والعداء لهم في الغرب تتعمق وتتصاعد يوما بعد يوم.
وبالاضافة الى هذا، يعلم الكل انه باسم الديمقراطية الغربية المزعومة هذه، تم ويتم ارتكاب افظع السياسات ،وابشع الجرائم في دولنا العربية والاسلامية.
كما ذكرت في مقالات سابقة قبل ايام ، باسم الديمقراطية هذه ، تم ارتكاب اشنع الجرائم في العراق وافغانستان وانحاء اخرى من العالم العربي والاسلامي.
وباسم الديمقراطية المزعومة هذه، يخططون في الغرب، وعبر منظماتهم المتآمرة وعملائهم في دولنا، لاشاعة الفوضى وتخريب مجتمعاتنا.
نقول هذا لأن الغرب في علاقاته بدولنا العربية يصور نفسه باستمرار على ان دوله هي نموذج الديمقراطية، والمثال الذي يجب ان يحتذى في الحريات. وعلى هذا الاساس تعطي الدول الغربية لنفسها حق التدخل السافر في شئون دولنا الداخلية، وحق املاء مواقف وسياسات علينا باسم الضرورات الديمقراطية.
والأمر هنا هو باختصار على النحو التالي:
١- الدول الغربية ليست هي ابدا النموذج المشرف للديمقراطية والحريات، والذي يمكن ان يتبع او يحتذى به.
ولهذا، قبل ان ينصحونا نحن، عليهم ان يعالجوا ازماتهم، وان يعالجوا عنصريتهم وتطرفهم ونزوعهم نحو الفاشية.
٢- انه لا بريطانيا ولا امريكا ولا أي دولة غربية، لديها أي مسوغ او مبرر، او أي سلطة اخلاقية، كي تعطي لنا نحن في الدول العربية والاسلامية دروسا في الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان.
الغرب ليس في أي موقع يتيح له ان يقدم لنا وصايا وتعليمات حول الديمقراطية والحريات وكيف يجب ان تكون.
٣- بالتالي، فان دولنا العربية ليس لديها أي سبب يدعوها الى ان ترضخ لأي ضغوط تمارسها هذه الدول الغربية علينا باسم الديمقراطية. ليس لدى دولنا أي سبب يدعوها الى ان تقبل أي تدخل من هذه الدول في شئوننا الداخلية.
هذا الكلام مهم جدا في الوقت الحاضر.. لماذا؟
لأننا في الفترة الماضية، شهدنا فيما يتعلق بالبحرين مثلا، حملة تشويه هائلة في الغرب لأوضاعها وحملة تضليل ضخمة للرأي العام الغربي. وشهدنا حملة ضغوط على البحرين من دول غربية مثل امريكا، ومن المنظمات الغربية المشبوهة تهدف الى اجبار القيادة على اتباع سياسات بعينها. كل هذا باسم الديمقراطية والحريات.
ولأنه في الفترة الماضية، شهدنا في الغرب عملية كبرى مشبوهة جوهرها احتضان قوى طائفية ومتآمرة على دولنا، في البحرين ومصر وغيرها من الدول، والسعي الى اعلاء شأنها ومحاولة وضعها في صدارة المشهد السياسي في دولنا. وايضا يفعلون هذا باسم الديمقراطية المزعومة.
وإزاء هذا، الذي نقوله ونلح عليه باستمرار في مقالاتنا، هو اننا في البحرين، وفي أي بلد عربي، نخطئ خطأ فادحا ان رضخنا لما يريدون، وان لم نرفض بحسم وبلا تردد هذه الضغوط والاملاءات.
والامر كما قلت ببساطة شديدة، ان هؤلاء في الغرب لا هم اساتذة في الديمقراطية، ولا نحن تلامذة... لا هم قدوة، ولا نحن بحاجة الى قدوة.
نحن فيما نقرر ما نتبعه من سياسات علينا ان نحتكم فقط الى ما تقتضيه مصالح دولنا وشعوبنا كما نراها ونقدرها نحن.
.
مقالات أخرى...
- البارونة جيني تونج التي «لا مكان لها»!! - (3 مارس 2012)
- لا قيم.. ولا أخلاق - (1 مارس 2012)
- باسم «القيم الأمريكية»!! - (29 فبراير 2012)
- احذروا «أحصنة طروادة»واطردوا المنظمات الأمريكية - (28 فبراير 2012)
- أمريكا والسوابق الإجرامية لمنظماتها - (27 يناير 2012)
- شهادة إدانة أخرى لأمريكا ومنظماتها المتآمرة - (26 فبراير 2012)
- هل تفكر «إسرائيل» في ذبح «الأوزة الذهبية»؟! - (25 فبراير 2012)
- مسرحية الهجوم الإسرائيلي على إيران - (23 فبراير 2012)
- ما كل هذه الضجة حول ضرب إيران؟! - (22 فبراير 2012)