الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٩٣ - الاثنين ٢٧ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٥ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


أمريكا والسوابق الإجرامية لمنظماتها





عرضت في مقال الأمس جانبا من شهادة الأستاذ الأمريكي المعروف «ريتشارد فالك» حول قضية المنظمات الأمريكية والتمويل الأجنبي الأمريكي في مصر، وكيف ان لمنظمات أمريكية مثل المهد الديمقراطي الأمريكي والمعهد الجمهوري تاريخا موثقا من التآمر ومن العمل على تقويض استقرار حكومات مستقلة كما حدث في أمريكا اللاتينية مثلا.

لمزيد من التوضيح هنا ، يشير الأستاذ الى ما هو معروف تماما وموثق من قيام المعهد الجمهوري الأمريكي بتقديم أموال طائلة، وسبل دعم اخرى بالطبع، الى القوى المعادية لحكومة اريستد في هايتي. وهذا الدعم والتمويل كان جزءا من عملية اكبر واشمل قادت بالفعل الى وقوع انقلاب عام ٢٠٠٤ الذي أتى إلى السلطة بقوى سياسية رجعية، رحبت بها امريكا واعتبرتها نموذجا لـ«الحكم الرشيد» في ذلك الوقت. أي ان معيار «رشد» الحكم هو ان يكون عميلا لأمريكا.

مثال آخر يسوقه الكاتب عن هذا المعهد وأدواره التآمرية التخريبية.

يشير إلى ان المعهد نفسه سبق ان اعترف بدوره في تحريض ودعم الأحزاب السياسية اليمينية في بولندا قبل سنوات، ويعتبر ان هذا هو بالطبع في حد ذاته اعترافا بالتدخل السافر في شئون بولندا الداخلية، وفي ارادة البولنديين.

إذن، الذي يقوله الكاتب هنا صراحة هو ان معاهد مثل المعهد الديمقراطي الأمريكي والمعهد الجمهوري، هي معاهد لها تاريخ اجرامي اصلا معروف وموثق في أنحاء كثيرة من العالم، الأمر الذي يعطي للاتهامات المصرية مصداقية لا شك فيها.

وهو يطرح هذه الفكرة بصياغة أخرى.

يقول ان المسئولين عن هذه المعاهد الأمريكية التي تتهمها السلطات المصرية، والمتحدثون باسمها، يرددون ويزعمون باستمرار في تصريحاتهم انهم يحترمون سيادة الدول التي يعملون فيها ، وخصوصا مصر.

ويقول انه على الرغم من هذه المزاعم ، وحتى لو كانوا يقصدون ذلك فعلا بالنسبة لمصر، فانه بحكم هذه السوابق التاريخية الاجرامية، فان لدى مصر المبررات الكافية للشك في هذه المنظمات والدور الذي تقوم به، وللإصرار على اخضاعها للقوانين والسيادة المصرية.

يقول ان سوابق امريكا الكثيرة للتدخل السافر، عبر الوسائل السرية والعلنية، في الحياة السياسية الداخلية في الدول غير الغربية، يكفي كي تتخذ السلطات المصرية هذا الموقف.

على ضوء هذا الذي ساقه الاستاذ الأمريكي، وهذه الخلفية المتعلقة بعمل هذ المنظمات ودورها الاجرامي في العالم، يقول في هذا الجزء من تحليله ان هذا يقودنا الى نتائج ثلاث محددة، هي على النحو التالي:

أولا: ان الأمريكيين العاملين في هذه المنظمات، والذين وجهت إليهم السلطات المصرية الاتهامات، لا يعملون أساسا في منظمات مجتمع مدني أو منظمات أهلية كما يزعم الأمريكيون.

هؤلاء يعملون في منظمات رسمية حكومية أمريكية، لها سجلها المعروف.

ثانيا: ان هذه المنظمات التي وجهت اليها السلطات المصرية الاتهامات، وخصوصا المعهد الجمهوري والمعهد الديمقراطي، هي منظمات لها طابع ايديولوجي سافر معروف، سواء بحكم تكوينها، او بحكم مصادر تمويلها، أو بحكم توجهاتها السياسية.

بالطبع، هو يقصد هنا ان هذه المنظمات الأمريكية ليست منظمات تسعى كما يقال الى دعم الديمقراطية أو ما شابه ذلك من ادعاءات ، وانما هي أساسا لها رسالة إيديولوجية مشبوهة ومعروفة سلفا وأجندة سياسية أمريكية تسعى إلى تنفيذها.

ثالثا: ان الحكومات غير الغربية بشكل عام، لديها مبررات كثيرة وقوية جدا، تدفعها الى الاصرار على ضرورة اخضاع هذه المنظمات للقانون الوطني، وللإصرار على ضرورة تنظيم عملها على هذا الأساس.

ليس هذا فحسب، بل ان هذه الحكومات لديها في رأيه المبررات القوية التي تدفعا الى طرد هذه المنظمات ومنعها من ممارسة أي أنشطة في أراضيها، وذلك استنادا إلى التاريخ الطويل لهذه المنظمات من التآمر، ومن التدخلات السافرة في الشئون الداخلية في دول العالم.

على ضوء هذه النتائج، يتوصل الكاتب الى خلاصة عامة هنا، هي ان كل هذا الغضب الأمريكي على الموقف المصري هو بلا معنى، وكل هذه الانتقادات التي يوجهها الأمريكيون إلى السلطات المصرية هي بلا مبرر، وغير مقبولة أساسا.

وما زال لتحليل الأستاذ الأمريكي جوانب مهمة، سنعرضها في المقال القادم بإذن الله.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة