الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٨٩ - الخميس ٢٣ فبراير ٢٠١٢ م، الموافق ١ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


مسرحية الهجوم الإسرائيلي على إيران





تحدثت في مقال الأمس عن الضجة، السياسية والإعلامية، المثارة منذ نحو أسبوعين في أمريكا والغرب حول احتمالات قيام اسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية الى ايران في الفترة القادمة، وهي الضجة التي ثارت في اعقاب تصريحات لوزير الدفاع الامريكي تحدث فيها عن الاحتمالات الكبيرة لمثل هذا الضربة في الربيع القادم. وذكرت انه على الرغم من كل هذه الضجة، فإن كثيرا من المحللين المحترمين يعتبرون ان الامر برمته ليس الا عملية نصب واحتيال.

النصب والاحتيال مقصود به هنا ان هذه الضجة هي مفتعلة عن عمد وتخطيط ومقصودة لحد ذاتها. بعبارة اخرى، مقصود بذلك ان تسريب هذه التصريحات المنسوبة الى وزير الدفاع الامريكي كان امرا مقصودا، وايضا التهويل السياسي والاعلامي بعد ذلك من احتمالات الهجوم الاسرائيلي الوشيك على ايران مقصود ايضا، ويراد من وراء كل هذا تحقيق غايات سياسية محددة.

هذا هو ما ذهب إليه كثير من المحللين في امريكا والغرب.

بعبارة اخرى، في رأي هؤلاء المحللين انه ليس صحيحا وليس واردا ان اسرائيل تخطط لشن هجوم على ايران في فترة الاشهر القليلة القادمة ومن دون التشاور مع امريكا.

وفي رأيهم ان كل ما يقال عن ضغوط تمارسها امريكا على الاسرائيليين لاقناعهم بالتخلي عن خطط ضراب ايران، ما هي إلا مسرحية سياسية واعلامية.

هناك في الحقيقة اسباب وعوامل كثيرة تعطي هذا الرأي مصداقية ووجاهة. لكن يهمنا بصفة خاصة التوقف عند أمرين أساسيين:

الأمر الأول: انه حتى لو فكرت اسرائيل في أي وقت في توجيه ضربة عسكرية الى ايران، فمن المستحيل ان تقدم على مثل هذه الخطوة من دون ابلاغ امريكا والتشاور معها ، ومن دون اخذ موافقتها والتنسيق الكامل معها.

شن هجوم على ايران ليس نزهة قد تفكر اسرائيل في القيام بها وحدها دون علم امريكا.

ورغم كل تصريحات كبار المسئولين الامريكيين بأن القرار بهذا الشأن هو قرار اسرائيلي، فإن الامريكيين يعلمون والاسرائيليون يعلمون ان الامر ليس هكذا ابدا. يعلمون ان امريكا لا يمكن ان تقبل او تسمح بذلك. والاسرائيليون يعلمون من جانبهم انهم لا يمكن ان يقدموا على ذلك وحدهم بعيدا عن امريكا.

أسباب ذلك معروفة.

الاسرائيليون والامريكان يعلمون جيدا انه حتى لو بدأت اسرائيل فرضا حربا ضد ايران ، فمن غير المتصور ابدا ان امريكا يمكن ان تبقى بعيدة ولا تتورط في هذه الحرب.

والاسرائيليون والامريكان يعلمون انه حتى لو بدأت اسرائيل وحدها حربا ضد ايران، فلا هم يعرفون ولا احد آخر يعرف كيف يمكن ان تتطور هذه الحرب بالضبط، واي نوع من الرد الفعل الايراني سوف يحدث، وكيف سيكون الوضع في المنطقة عموما.. وهكذا.

بعبارة اخرى، الاسرائيليون يعلمون جيدا انهم حتى لو بدأوا الحرب، فالاحتمال الارجح انهم في مرحلة معينة سوف يكونون بحاجة الى نجدة امريكا لهم في مواجهة تطورات لا يستطيعون الآن ان يحددوا ما هي بالضبط. فهل يمكن على ضوء هذا تصور انهم سوف يشنون حربا من دون التنسيق المسبق الكامل مع امريكا؟

ثم ان الامر هنا لا يتعلق بشأن اسرائيلي ايراني وحسب تنحصر تأثيراته وتبعاته في هذه الحدود فقط.

نعني ان حربا اسرائيلية على ايران هي امر يتعلق بزلزال يمكن ان يقع في المنطقة والعالم. الامر يتعلق بتحولات كبرى يمكن ان تحدث، وتطال مصالح استراتيجية امريكية كبرى في المنطقة وفي العالم كله.

هل من المتصور ان تترك امريكا امرا كهذا رهنا بارادة الاسرائيليين وحدهم؟.. بالطبع، لا.

الأمر الثاني:

حتى لو افترضنا جدلا ان اسرائيل وامريكا معا قررا شن هجوم عسكري على ايران في وقت ما، فالمؤكد ان هذا لا يمكن ان يحدث قبل انتهاء انتخابات الرئاسة الامريكية في نهاية العام الحالي.

الأمر هنا كما سبق ان كتبت ان أي حرب على ايران قبل الانتخابات هي مجازفة خطيرة جدا لا يمكن ان تفكر ادارة اوباما في الاقدام عليها.

فمهما كانت حسابات الحرب المسبقة، ومهما كانت التقديرات لنتائجها وتأثيراتها، فلا احد يستطيع ان يتوقع ما الذي يمكن ان تتطور اليه الحرب فعلا، وما الذي يمكن ان يترتب عليها في المنطقة والعالم. ومن الممكن ببساطة ان تقضي حرب مثل هذه على أي فرصة لاعادة انتخاب اوباما. هذا بالإضافة الى ان خيار الحرب ليس واردا اساسا على اجندة اوباما على الرغم من تكرار المسئولين الامريكيين لتلك العبارة التي اصبحت مستهلكة تماما ، وهي ان كل الخيارات مطروحة على الطاولة.

الخلاصة اذن ان كل هذه الضجة حول الخطر الوشيك بهجوم اسرائيلي على ايران ما هي الا مسرحية سياسية.

للحديث بقية باذن الله.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة